الرؤية السعودية 2030 … إدارة التوقعات

استخدمت الرؤية الوطنية السعودية 2030 لغة واضحة في نقد برامج تنموية حكومية سابقة. فمثلاً، نصت الرؤية على أن المدن الاقتصادية التي تم الإعلان عنها خلال العقد الماضي لم تحقق المرجو منها وقد توقف العمل في عدد منها، وأن أغلبها يواجه تحديات حقيقية تهدد استمرارها. كما تضمنت الخطة إشارة مباشرة إلى أن العمل في بناء مركز الملك عبدالله المالي في الرياض في العقد الماضي بدأ دون مراعاة للجدوى الاقتصادية. هناك أمر آخر يتمثل في أن خطط خفض نسبة البطالة في الرؤية التي تغطي 15 عاماً هو أقل طموحاً أو أكثر واقعية مقارنة بطموحات الخطة الخمسية الحالية. ففي حين تستهدف الرؤية السعودية تخفيض نسبة البطالة في السعودية من 11.6 في المائة حالياً إلى 7 في المائة بحلول 2030 فإن الخطة الخمسية الحالية وهي العاشرة في تاريخ المملكة أعلنت خطة لخفض البطالة من 11.6 في المائة إلى 5.1 في المئة. إن هذه النماذج الثلاثة تشير إلى أن الرؤية السعودية 2030 سعت للاعتراف بأخطاء حكومية سابقة ووضعت حلولاً بديلة ترى أنها أكثر واقعية.

طموحات كبرى
وضعت كافة هذه الخطط الحكومية الثلاثة، المدن الاقتصادية، ومركز الملك عبدالله المالي، وخطة تخفيض البطالة، وضعت جميعها أهدافاً كبيرة ولكنها غير واقعة وأثبتت التجربة عدم جدواها. إلا أن الرؤية السعودية 2030 ذاتها تحمل أهدافاً كبيرة، والتساؤل الذي أطرحه هنا، يدور حول الدراسات التي أجريت للوصول لهذه الأهداف وكيفية تطبيقها، وهي تساؤلات أعتقد أنها تستحق النظر.

مساءلة المستقبل
سأستعين بهذه الطريقة في مساءلة السياسات الحكومية السابقة لمساءلة جدوى السياسات المستقبلية، لكي لا نلجأ إلى ترقيع النتائج في المستقبل. ردد الاعلام السعودي على مدى سنوات بأن تطوير أربع مدن اقتصادية كبرى يتم بتمويل خاص. وأن هذه المدن تهدف إلى توليد مردود اقتصادي بقيمة 150 مليار دولار سنوياً، والعمل على موازنة جهود التنمية الإقليمية، وتوفير أكثر من مليون فرصة عمل، وكذلك توفير مساكن لأكثر من 4.5 مليون شخص. إن التسليم بأن غالبية المدن الاقتصادية لم تحقق أهدافها يعني تبعاً الاعتراف بضياع الكثير من المال والوقت وبالتالي الكثير من الفرص. أشرفت الهيئة العامة للاستثمار في حينها على خطط المدن الاقتصادية تحت رعاية رأس السلطة السياسية، ولذلك لم تكن تلك الخطط على هامش البرنامج الحكومي للتنمية، بل كانت في صلب خطة الحكومة للنهوض بالاقتصاد ومعالجة مشاكل مثل البطالة والسكن وغيرها.
إن هذا الإخفاق الذي أصاب مشاريع المدن الاقتصادية ليس مفاجئاً إذا ما نظرنا إلى الطريقة التي ولدت فيها تلك المشاريع، وكيف أن حجم تلك المشاريع تضخم بدون دراسات واضحة كما أن الأحاديث عن أن أشخاصاً متنفذين كانوا أكبر ملاك الأراضي التي أقيمت عليها بعض تلك المدن، يكشف مشكلة أخرى، أي أن اختيار تلك المواقع خضع لمصالح ضيقة قد تكون أحد أسباب الفشل.
أنشأت السعودية هيئة خاصة لمكافحة الفساد وهي تمارس دوراً مهماً، وما أتمناه هو أن تراقب تلك الهيئة خطط تطبيق المشاريع المستقبلية بما فيها إدارة مشاريع الرؤية.

من سيدير أكبر صندوق سيادي في العالم وكيف سيتم اختيارهم وما هي التكلفة المتوقعة؟
أعلنت السعودية في يونيو 2016 عن استثمار 3.5 مليار دولار في شركة أوبر “Uber” التي تدير منصة إلكترونية لشبكة من سائقي سيارات الأجرة حول العالم، جاء هذا الاستثمار تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة فيما يعتقد بأنه أحد استثمارات الصندوق السيادي السعودي الذي أعلن عن إعادة هيكلته وإطلاقه ضمن رؤية السعودية 2030. إن تقييم واختيار الفرصة الاسثتمارية المتكاثرة وخصوصاً في قطاع مثل تقنية المعلومات الذي شهد فقاعات سابقة أدت إلى انهيار شركات اعتقد الكثيرون أنها آمنة. اختيار هذه الفرصة الاستثمارية وإدارتها أمر معقد ومكلف ومليء بالمخاطرة وبالتالي فإن جودة الكفاءات البشرية التي تديرها غالية الثمن.
تشير بيانات سردها الخبير الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي في كتابه “رأس المال في القرن الواحد والعشرين” بأن تكلفة إدارة الصناديق الاستثمارية الكبرى هي في حدود 0.03 في المائة سنوياً من قيمة الاسثتمارات. فإذا كانت قيمة هذا الصندوق السيادي السعودي هي بحدود 2.7 تريليون دولار، فإن تكلفة إدارة هذه الاستثمارات قد تتعدى 11 مليار دولار (41 مليار ريال) سنوياً.
تعتمد الصناديق السيادية مثل صندوق أبوظبي السيادي وصندوق النرويج وكذلك بعض المؤسسات غير الربحية مثل الجامعات الغربية على كفاءات متخصصة لإدارة الثروات. وتدير جامعة هافارد الأمريكية مثلاً أوقافاً بقيمة 30 مليار دولار بتكلفة سنوية تصل الى 100 مليون دولار وهي نسبة تشابه تلك التي أشار إليها البروفيسور بيكيتي. البيانات الخاصة بأداء الصندوق السيادي السعودي للسنوات ما بين 1990 و 2010 تشير إلى أنه حقق عوائد ما بين 2-3 في المائة سنوياً عبر استثمارات شملت بشكل رئيسي سندات الخزينة الأمريكية. بينما حقق الصندوق السيادي لأبوظي، وهو أكبر صندوق سيادي في العالم، عوائد قاربت 7 في المائة سنوياً في ذات الفترة.
كيف سيم التعامل مع عوائد تلك الاستثمارات؟ وهل سيتم الاحتفاظ ببعض منها وإعادة تدويرها في الصندوق لتمويل استثمارات جديدة؟ وكيف يمكن أن تستفيد الميزانية السنوية من الأرباح غير المتحققة أو الأرباح الدفترية والتي لا تتحقق إلا عبر بيع جزء من الاستثمارات أو تسييل الأرباح؟ إن الأثر الاقتصادي الذي ستخلفه خطة إعادة هيكلة الاقتصاد السعودية ليتحول من الاعتماد المباشر على عوائد النفط إلى الاعتماد على عوائد استثمار هذه العوائد النفطية ما يعني التحول من الإنفاق الحكومي على برامج تنموية اجتماعية وخدمية بحتة إلى اختيار الفرص الاستثمارية ومشاريع البنية التحتية على أساس قدرتها على خلق العوائد، هو تحول حاد ويعتقد المحللون بأنه سيخلق في بداية تطبيقه تباطؤاً في النمو الاقتصادي قد يستمر لفترة نتيجة للانخفاض المتوقع في الإنفاق الحكومي المباشر في صورته السابقة. إن هذا الأثر الاقتصادي السريع يجب فهمه وقياسه وتنفيذ برامج اجتماعية لمساعدة الفئات المتضررة بسببه، وهذا هو أول التحديات أمام الرؤية الاقتصادية في المدى القصير.

منشورات أخرى للكاتب