الحرب في اليمن: عود على بدء

رافق إعلان فشل مشاورات السلام التي رعتها الأمم المتحدة في الكويت لمدة ثلاثة أشهر، تموضعاً جديد لمختلف الأطراف المتصارعة في اليمن. فلقد ولّد إجهاض المبادرة مجموعة من القرارات في كلّ من المعسكرين، ففي الوقت التي صعّدت فيه قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية عملياتها العسكرية في ما أطلقت عليه تسمية “الحسم العسكري”، نفّذ الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي تهديدهم وقاموا بتشكيل مجلس رئاسي مهمّته إدارة البلاد عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
وعلى الرغم من تعالي أصوات ببطلان هذا المجلس دستورياً إلا أن الحوثيين وحلفاءهم من حزب المؤتمر الشعبي مضوا قدماً في تنفيذ قرارهم بعقد جلسة لمجلس النواب وبالتالي إعادة تفعيل دور المؤسسات الدستورية وإعلان المجلس السياسي الذي يرأسه صالح الصماد.
المراقبون اعتبروا انعقاد البرلمان وإعلان المجلس التأسيسي ضربة ثانية لـ”التحالف العربي” بعد فشل المفاوضات في الكويت خصوصاً وأن الأخير كان يطمح إلى الوصول إلى اتّفاق سياسي يعيد عبد ربه منصور هادي إلى السلطة وأن يتم توقيعه في الرياض. إلا أن الوفد الذي يجمع الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح لم يقدّم أي تنازلات بإمكانها أن تنجح مسار الكويت.
وفي واقع الأمر فإن نجاح انعقاد مجلس النواب اليمني يستمد أهميته من أكثر من معطى، فبالإضافة إلى أنه يعيد الحياة السياسية إلى مسارها الطبيعي على اعتبار أن البرلمان هو السلطة الشّرعية في البلاد، فإنه يؤكد صلابة التحالف الذي يجمع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بـ”أنصار الله”، وذلك على الرّغم من العداوة التاريخية التي لطالما جمعتهما والتي تستند إليها كل المراهنات على فشل هذا الحلف لكن الأهمّ من كل ذلك هو أنّ شرعية البرلمان تفوق شرعية الرئيس، بل إن البرلمان يمكنه قبول استقالة الرئيس وربما أيضاً محاكمته بتهمة الخيانة. وهو ما يمثّل تهديداً مباشراً لأهمّ مبرّرات التحالف العربي في حربه على اليمن وهو الحفاظ على الشرعية المتمثّلة في شخص الرئيس عبد ربه منصور هادي.
الملفت في إعلان المجلس السياسي ليس فقط العودة إلى اعتباره السلطة الشرعية وحسب ولكن أيضا هو رجوع الحوثيين عن قرارهم في مايو 2015 بحل البرلمان ومجلس الرئاسة وتكوين اللجنة السياسية الثورية العليا وهو ما لا يعدّ تصعيداً سياسياً بالتوازي مع التصعيد العسكري فقط، كما ذهب إليه المراقبون والمحللون السياسيون، وإنما هو أيضاً تحوير وتعديل في أسلوب التعامل مع الملف السّياسي وهو ما برز في الكويت حيث أبدى الوفد “الحوثي الصالحي” دهاءً سياسياً في عدم رضوخهم للإملاءات الدولية.
في المقابل، يقف الرئيس اليمني هادي موقف العاجز بعد فشل كل محاولاته في منع انعقاد المجلس وحتى في التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة خلال مفاوضات الكويت.
هادي الذي يعود تنصيبه إلى مخرجات المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011، يعدّ الحلقة الأضعف في كلا المعسكرين ولئن كان التّحالف العربي يدرك ذلك وهو ما برز من خلال تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، عندما قال إن محمد بن زايد “أدرك مبكراً أن الشرعية اليمنية ليست في البقاء بالمنافي والفنادق، إنما داخل اليمن لمواجهة الانقلابيين”، في إشارة مباشرة لهادي، فإنه يعتمد عليه باعتباره ممثلاً للشرعية في الحرب في اليمن.
فعليا هذه الحرب التي اندلعت شرارتها الأولى بقرار التحالف الدّفاع عن الشّرعية التي يمثلها هادي، تمكّنت من وقف تمدّد الحوثيين وقوات صالح وأخرجتهم من أغلب المحافظات الجنوبية إلا أنّها لم تنجح في تحقيق انتصار عسكري حاسم خاصّة وأنهم لا يزالون يسيطرون على الشمال، كما أنها لم تنجح في تحقيق أهم أهدافها وهو نزع السلاح الحوثي الذي تعتبره المملكة العربية السعودية تهديداً إيرانياً لها بالدرجة الأولى.
وبالتوازي مع فشل المفاوضات السياسية فإن التصعيد العسكري للتحالف والتصعيد السياسي للحوثيين وأنصارهم وتعمّدهم جرجرة التّحالف إلى مواجهات على الحدود الجنوبية السعودية، يضاف إليهم شرعية هادي المهدّدة بعد إقرار تفعيل السلطة الشرعية الأعلى في البلاد وبالنظر إلى العلاقة المتوترة التي تربط هادي بالإمارات العربية المتحدة التي تعدّ ثاني أهم أطراف التحالف العربي بعد السعودية، وهي التي أعلنت منذ فترة تقليص عملياتها في اليمن بالنظر إلى اكتمال أهدافها من التحالف باستكمال ملاحقتها للإخوان المسلمين في اليمن، فإن المشهد العام في اليمن يشير إلى العودة إلى نقطة الصفر بعد أن كانت الآمال معلّقة على التّوصل إلى تسوية سياسية شاملة.
ومن المؤكّد أنّ مختلف الأطراف المتناحرة في اليمن تسعى إلى الوصول إلى هذه التسوية السّياسية على الرّغم من تشبّث كل طرف بشروطه الخاصّة وبرغم كل التّداخلات والتناقضات المحلّية والإقليمية وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن جولة جديدة من المشاورات قد تنطلق قريباً، على غرار ما تمّ بالنسبة إلى الأزمة السورية.
وعموماً، فعلى الرغم من اكتفاء الحوثيين وصالح بالسيطرة على صنعاء ونجاح الحلف العربي في إرجاع باقي المدن اليمنية إلى سيطرة حكومة هادي فإن خطر تقسيم البلاد إلى دولتين لا يزال قائماً خصوصاً بعد انعقاد البرلمان، بالإضافة إلى أنّ التحالف العربي يبدو أقل صلابة بعد قرار الإمارات تقليص عملياتها وتأكيدها أنها حقّقت أهدافها من الحرب مما يؤكّد أنّ الأمل في حلّ سياسي لا ينبع من قوّة حلف الحوثيين وصالح وإنّما من تباين الأهداف وغياب الرؤية المشتركة من الحرب بين الدولتين الأقوى في التحالف العربي.
في النهاية يبدو من الأكيد أن تحالف الحوثيين وصالح سيعمل على إقامة دولته في الشمال وقد يركّز عملياته العسكرية على جنوب المملكة في الوقت الذي سيسعى فيه إلى التخلّص من صفة الشرعية التي يلوّح بها هادي والترويج إلى علوية شرعيّة البرلمان. في المقابل لن تتنازل السعودية عن حربها مع الحوثيين الذين تعتبرهم ذراع إيران في اليمن مالم يسلموا سلاحهم. من جهة أخرى تبدو الإمارات متململة من وجودها داخل الحلف ولا يبدو أن ما جاء في القرار الأممي 2216 كان يعنيها منذ البداية، كما أنّ الوضع العام في اليمن يؤكّد استحالة تنفيذ هذا القرار، وعليه فإن الحرب التي تدور رحاها اليوم على أرض اليمن ليست سوى حرب استنزاف مفتوحة على كل السيناريوهات.

منشورات أخرى للكاتب