الوساطة الكويتية بين إيران والسعودية: الشرخ أكبر

تداولت وسائل إعلام عدة أنباءً عن جهود تبذلها الكويت للوساطة بين إيران ودول الخليج لحلّ الأزمة المتصاعدة منذ أشهر، وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هذه المساعي هي في الأساس مقترح إيراني، تحرّك بموجبه نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الكويتي الشيخ محمد الخالد في جولة مكوكية إلى دول مجلس التعاون سلّمهم خلالها رسائل تتعلّق بطلب طهران فتح صفحة جديدة من العلاقات مع دول الخليج.
الوساطة الكويتية لم تكن هي أولى الوساطات بين إيران ودول الخليج منذ اندلاع الخلاف بينهم على إثر إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر وما نتج عنه من تعدٍ على السفارة السعودية في إيران، فقد سبقتها مبادرات عراقية وعمانية وحتى جزائرية وإن لم ترتقِ إلى درجة جدية الوساطة الكويتية.
الخلافات بين السعودية وإيران، تاريخية ولطالما اتّسمت علاقاتهما الدبلوماسية بطابع تجاذبي، وقليلة هي الفترات الهادئة التي مرّت بها، إلا أن الأزمة الأخيرة تبدو الأشدّ، وبلغ الغضب بالطرفين حدوداً لم تبلغها من قبل، على المستوى السعودي على أقل تقدير، ذلك أن الرياض ما انفكت منذ اندلاع الأزمة تعمل على حشد الحلفاء والمتضامنين معها مستندة في ذلك إلى حادثة الاعتداء على سفارتها في إيران وما في ذلك من دلالة على المساس بسيادتها.
ولا تزال السعودية مستمرة في هذا النّهج بل وتبدو مصرة عليه، وما سعيها إلى التضييق على الحكومة اللبنانية في ما يتعلق بحزب الله اللبناني، المحسوب على إيران واعتباره منظمة إرهابية، إلا واحد من هذه التضييقات على إيران.
السؤال المطروح في هذا الخصوص، وبالنظر إلى تأكيد الكويت على أن طلب المصالحة أو التهدئة هو مقترح إيراني، هل تضررت إيران من سياسة التضييق التي تمارسها السعودية تجاهها، خصوصاً وأن أغلب بلدان الخليج سحبت بعثاتها الدبلوماسية أو قلّصتها إلى أدنى مستوياتها؟ وهل تهتم طهران بمثل هذا التحشيد ضدها؟
الملفت للنظر في المقترح الإيراني هو أن إيران تعيش فترة انتعاش على إثر رفع العقوبات الاقتصادية عنها، بل إن علاقاتها المتوترة دائماً مع حليف الرياض التاريخي، أمريكا هي اليوم في أحسن حالاتها وهو ما لم يُخفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة صحفية أجراها مؤخراً مع مجلة “ذي أتلانتيك” ورفض فيها تأييد رؤية السعودية والدول العربية التي تُحمّل إيران أو إسرائيل مسؤولية المشكلات البنيوية في المنطقة العربية بل على العكس من ذلك، أكّد أنّ الأزمات الداخلية وسوء إدارة الحكم في هذه الدول العربية “السنية” هي السّبب الرّئيس المسؤول عن مشكلاتها وأزمات المنطقة، وأنّ الحل ليس في الدخول في صدام مصيري مع إيران، بل في تقاسم الأدوار والنفوذ في ترسيم مستقبل منطقة الشرق الأوسط.
في المشهد أيضاً ثلاث دول خليجية تستجيب إلى ما كل ما تقرّه الرّياض من إجراءات ضد طهران وتؤيّد كل ما تصرّح به في هذا الخصوص ولكن في الوقت ذاته ترتبط هذه الدول ذاتها بعلاقات اقتصادية كبيرة مع “عدوّة الشقيقة الكبرى” وهو ما يدفعها في الإسراع إلى احتضان كل مبادرة من أجل تهدئة الأوضاع.
وهو ما يفسّر إسراع قطر إلى تجديد دعوتها إلى إجراء حوار تحتضنه الدوحة لحلّ الأزمة بين الطرفين، حيث جددت قطر طرح المبادرة، التي أعلن عنها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في شهر سبتمبر الماضي، و التي عرض فيها استضافة بلاده حواراً بين دول الخليج وإيران لإنهاء الخلافات السياسية.
ثلاث دول هي قطر والإمارات العربية المتّحدة والكويت وتضاف إليهم طبعاً، عُمان التي تنأى بنفسها عن كل هذه التجاذبات التاريخية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي.
عدد من المراقبين يرجع طلب المصالحة الإيراني إلى الانسحاب الرّوسي من سوريا ويذهب هؤلاء إلى أنّ إيران تكبّدت خسائر فادحة في مساندتها لنظام بشار الأسد ولابدّ أن الانسحاب سيزيد من ثقل هذه الحرب عليها.
من جهة أخرى يذهب البعض إلى أن طلب المصالحة ينبع من حرص إيران على تطويق قضية عرب الأهواز والعمل على عدم إعطائها حيزاً كبيراً من الاهتمام العالمي خصوصاً وأنّ طلب المصالحة تضمّن هذا الشرط وكانت إيران أشارت إليه صراحة، في معرض تأكيدها على أن كل طرف “لم يقصر مع الآخر”.
السيناريو الثالث قد نذهب فيه إلى حدّ التكهّن بأن طلب الوساطة الكويتية يرتبط بزيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إلى طهران والتي جرى فيها الاتفاق على العمل المشترك لوقف الصراعات في المنطقة وهو الذي تقف بلاده إلى جانب السعودية في تحالفها ضد روسيا وإيران وقد وقع الاختيار على الكويت لما عرف عن ساستها من تروّ وحكمة وهدوء في معالجة الملفات الشائكة.
سيناريوهات كثيرة تطرح في تبرير هذه المبادرة التي تقدّمت بها إيران والتي ترمي بها الكرة في الملعب السعودي على مرأى من أنظار الحلفاء المنقلبين على السعودية. لكن يبدو أن السعودية تسير في اتجاه تكوين تحالفات جديدة أو لنقل تعمل على حشد التأييد العربي والإسلامي لقراراتها محاولة بذلك صنع قوّة إقليمية جديدة.
من جانب آخر، يؤكّد الرفض السعودي لهذه المصالحة وهو الموقف الذي أعلنته وأكدته مصادر دبلوماسية في العاصمة الرياض وأشارت الى أنّ السّعودية لا ترى أن الاعتداء على ممثليتيها في طهران ومشهد هو وحده المشكلة، بل أن طهران تعيث تدخلاً وإفساداً في اليمن وسوريا والعراق والبحرين ولبنان، وفي الكويت نفسها، وتؤكّد أن الرياض تتّجه إلى التصعيد بتشبثها بهذا الملف.
وعليه، يبدو أن الملفين السوري واليمني هما مربط الفرس في استتباب الأمن بين الجارتين المتعاديتين وما التلويح بالتّدخل الإيراني في شؤون البلدان الخليجية إلا أحد التبريرات التي أضحت تاريخية وغير مقنعة، ذلك أنها الراية التي يرفعها البلدان في كل خلاف ينشب بينهما.

منشورات أخرى للكاتب