ثقافة القطيع

تهاب مجتمعاتنا الخليجية والعربية في ثقافتها النمطية كسر العادات أو رفض الموروث

يَلحظ المتمعن في المجتمعات الخليجية والعربية على حد سواء، مدى جمود هذه المجتمعات على مستوى الأفراد والجماعات وعلى المستوى الثقافي والفكري،أي بمعنى أن العادات لا تتطور، والتفكير محدود في أُطر معينة، وأساليب الحياة متشابهة، إضافة إلى ضعف الإنجازات والإبداعات التي تعد إضافات في خدمة البشرية.
وقد يبرر ذلك كون فرد هذه المجتمعات يُمارس حياته بنمطية ثابتة، يسيطر عليها الجمود الناجم من خوف متنوع المصادر، الخوف من التغيير، الخوف من التطوير، الخوف من التفكير، والخوف من الرفض. يباشر هذه الممارسة على نحو عام وليس كشعور لحظي له مسبباته الملموسة المباشرة. وهو في اعتقادي الخاص أهم أسباب جمود المجتمعات وتخلفها. إذ تتمركز حِدة هذه المعضلة في صعوبة اكتشافها أو الشعور بها من ذات الفرد كونه سلوك مستمر ، يمارسه الفرد عادةً ضمن أنماط وسلوكيات المجتمع المختلفة والمستمرة.
‏فأنت لا تشعر بالخوف وتعتقد أنك حُر بمجرد وجودك وتكرار ممارسات نمطية ما، ولكن كيف يكون ذلك؟ سأضرب مثال يوضح الصورة أكثر: عند مشاهدة الغزال في برنامج تلفزيوني وهي تقفز هنا وهناك مابين الحقول لهواً أو بحثاً عن الأعشاب المختلفة رغم خطورة الوضع و احتمال موتها في أي لحظة كفريسة سهلة بمخالب حيوان مفترس آخر ، نجد أنها تتجاهل وتمارس حُريتها وسعادتها.
‏والسؤال هُنا، ألم تكن الغزالة تشعر بخطورة تواجدها في الغابة؟ بلى. ومع ذلك بقيت دون حذر يضمن سلامتها أو العمل على خطط بعيدة المدى لتجنب هذا الخطر المتواصل ودفعه! بل عمدت على التكيف مع الخوف على شكل مجموعات من القطيع لتقليل تركيز حدة الخطر على أمل أن لا تكون الضحية الأولى.
‏والسؤال هل من الممكن أن تتطور تلك الحيوانات البريئة لو أمنت سطوة الحيوان المفترس وتحررت من الخوف؟ كما هو موقف قانون الطبيعة من الإنسان أو نظرية النشوء من الكون؟ من منا يملك الإجابة والحقيقة المطلقة.
‏لنأخذ مثالاً آخراً ولنفترض بأنه حُكم عليك وأسرتك لجريمة ما بالسجن المؤبد في قصر لا يتجاوز سقفه المتر الواحد. ستجدك تحبو وتعيش تحت نطاق هذا السقف مع ألم ذكرى المسير على قدميك فيما أبناؤك الذين ولدوا حديثاً سيحبون القصر دون ألم و حنين لذكرى المسير أو محاولة للإبداع بلعب الجمباز مثلاً .
‏كذلك تجد أفراد المجتمعات والأنظمة المتسلطة. لا يشعرون بخوفهم وأن ألمحت لأحدهم بذلك سينكر أنه خائف وسيضجر من ذكر تلك الحقيقة وقد يعدها إهانة بحقه. إما جهلاً بما يُمارس عليه أو تهرباً من واقع لا يحب مواجهته.
‏و في الواقع هو لا يشعر بالخوف من عاداته اليومية، ولا تفرز الغدة الكظرية لديه هرمون الإدرينالين حينها، ولكنه يُمارس الخوف كمشروع عام في حياة نمطية وفي آطر مجمتع جامد مابين سعادة غزال الغابة التي آلفت التواجد مع القطيع، وحرية صاحب السقف الذين اعتاد ظهره الانحناء ورامت ركبته الحبو. ‏فلا يستوعب التمرد ولا يؤمن بالفضاء والضوء كون تلك الإضاءات تحول الخوف لديه من سلوك وعادة مستوعبة إلى خوف يشعر بواقعه، وهو ما يهدد استقراره ويزعج طمأنينته.
‏من هنا يهاب الفرد العقاب لمجرد التفكير في حرية الرأي والتعبير. ويهاب المجتمع فكرة كسر العادات ورفض الموروث، ويهاب الترافع عن حقه أمام فكرة الخوض في المحاكم، ويهاب الدين لمجرد التفكير في الثوابت والأصول الفقهية. تحيط إشارات التهديد بعقل هذا المجتمع من كل الاتجاهات والمحاور مما يشكل ذهنيته في قالب مُعين يرفض معه أي تغيير طارئ. نتيجة ذلك أجيالٌ خاملة لا تشعر بالأمان والرِضى إلا بالاستكانة والجمود على ما يوفر لها الهدوء والسلامة، ويجنبها وخزات الضمير.
وهكذا كانت الشعوب التي لا تمتلك الإرداة ولا تطمح للرقي، غايتها البقاء وهدفها إشباع الغرائز والحاجات.

منشورات أخرى للكاتب