بعد التدويل: أي قيمة لتنظيم الدّاخل السوري؟
ما جدوى تكوين هيئة تفاوضية وكلا الطرفين فقدا القدرة على البتّ في شأنه الداخلي؟
نوايا الوصول إلى حل جذري ينقذ سوريا مما ترزح فيه لا يبدو قريب المنال
كان “الاستعداد للدخول في مفاوضات مع ممثلي النظام استناداً إلى بيان جنيف والقرارات الدولية، والحل هو حل سياسي بالدرجة الأولى مع وجود ضمانات دولية، وأن هدف العملية السياسية هو تأسيس نظام ديمقراطي تعددي لا يكون لبشار الأسد أي دور فيه.” من أهم مخرجات مؤتمر المعارضة السورية الذي احتضنته العاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي.
وفيما كان الرهان قبل بداية المؤتمر يرتكز على إمكانية نجاح السعودية في لمّ أكبر قدر من شتات المعارضة السورية، يبدو أنه اليوم تحوّل إلى رهان على مدى فاعلية نتائج اللقاء المرتقب بداية العام المقبل، بين “الهيئة التفاوضية العليا” وممثلي نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
اختتام مؤتمر الرياض ونجاحه في إنشاء كيان يضم فصائل سورية سياسية ومسلحة، يهدف إلى الإعداد لمحادثات سلام مع ممثلي النظام السوري، لم يحمل في بيانه الختامي ما يمكن اعتباره مفاجأة بما يشمل تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يترك السلطة عبر “التفاوض” أو “القتال” وهو ما يتوافق ومخرجات جنيف 1 الذي يبدو أنه فقد أهليته وجدواه بعد التطورات الإقليمية والدولية وتبدّل المواقف منذ ذلك الحين.
الأزمة السورية تدّولت وتحوّلت من صراع بين نظام وشعبه، ثم صراع تحالفات خفي إلى صراع قوى إقليمية ودوليّة تتخذ من الأرض السوريّة ملعبا لها.
الصراع اليوم تجاوز المعارضة المشتتة، المسلحة منها وغير المسلحة، معارضة الداخل ومعارضة الخارج، ليصبح اللاعبون فيها ممثلين لقوى دولية كبرى.
روسيا وايران من جهة، في مقابل تركيا ودول الخليج من جهة أخرى، فيما تقف أمريكا وفرنسا في صف الرابح من الجبهتين.
ومن هذا المنطلق لنا أن نتساءل عن جدوى تكوين هيئة تفاوضية مهمتها الجلوس قبالة ممثلي نظام الأسد والحال أن كلا الطرفين فقدا القدرة على البتّ في شأنه الداخلي؟
مهمة الهيئة التفاوضية كما مهمة النظام، تتلخص اليوم في منح غطاء شرعي للحسم في الأزمة، وهو أمر ليس بخافٍ على أحد. مصير سوريا اليوم يتعلق بأيدي القوى الإقليمية والدولية وهي وحدها الفاعلة على أرض الواقع.
اجتماع الرياض، ولئن كان يندرج ضمن تنفيذ الاتفاق المبرم في فيينا الشهر الماضي بين مختلف القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على الموضوع السوري حيث تكفلت السعودية بجمع مختلف أطياف المعارضة السورية، فإنه حصر الدور السعودي في دور الوسيط من أجل حل سياسي. وهي صورة بعيدة كل البعد عن واقع ميدان المعركة.
الأزمة السورية تجاوزت كونها أزمة داخلية في حاجة إلى وسطاء للتوليف بين كيانين متخاصمين. سوريا اليوم مسرح لصراع قوى إقليمية ودولية وبذلك فإن من يجدر به الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل حلول جذرية هي مختلف القوى الإقليمية التي تتصارع على الأراضي السورية.
بعض المراقبين اعتبروا أن السعودية ومن خلال استضافتها لهذا المؤتمر تسعى إلى تعزيز مكانتها باعتبارها إحدى القوى الدولية الفاعلة خصوصاً وأن ما جاء في بيان المؤتمر النهائي حمل الكثير مما تضمنه البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي التي احتضنتها الرياض أيضا وتزامنت وانعقاد مؤتمر المعارضة السورية. المراقبون ذاتهم أكدوا أن ما حمله البيان الختامي لا يمثل المعارضة السورية بقدر ما يعكس الأجندة السعودية –القطرية – التركية.
في المقابل محور إيران روسيا لايزال يشكك في نجاح المعارضة السورية في تكوين ائتلاف متجانس ومتفاهم قادر على التوافق على نفس المطالب.
الملفت في ما يتعلق بالملف السوري أن كلا الحلفين يصر على أهمية عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري في الوقت التي تستعر فيه الاجتماعات الدولية من أجل سورية.
الشأن السوري تجاوز كونه شأناً داخلياً منذ مدة طويلة، هو اليوم موضوع تجاذبات إقليمية كما أسلفنا الذكر، تجاذبات وصراعات تشهد كثرة الاجتماعات على شدّتها وضخامة الأطماع في هذا الملف.
الأكيد أن نوايا الوصول إلى حل جذري ينقذ سوريا مما ترزح فيه لا يبدو قريب المنال. فالرد السوري على مخرجات مؤتمر المعارضة كان موجزاً وواضحاً، إذ دعا بشار الأسد إلى عدم الخلط بين المعارضة السياسية والجماعات المسلحة متهماً السعودية والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية بضم المجموعات الإرهابية إلى المفاوضات. وعليه، ماذا تغير مخرجات الرياض من واقع وتفاصيل الصراع على الأرض؟ في الواقع: لا شيء.