أجندتنا لمناهضة الإرهاب: الإصلاح أولاً

التطرف والإرهاب في منطقتنا لم يأت خلسة بل هو نتيجة حتمية للسياسات العربية

الدول الغربية تعاملت مع الإرهاب من دون ملامسة مسبباته ومعالجة دوافعه ومواجهة من يقف خلفه

لا يمكن مناهضة التطرف والإرهاب ومحاربتهما بمعزل عن ملامسة وتشخيص المسببات والدوافع، أو تجاهل انتهاكات حقوق الانسان في سياق هذه الحرب. لقد فشلت كل الحروب التي خاضتها الدول الغربية وحلفاؤها من العرب ضد الإرهاب في حسم المعركة لصالح هذه الدول، بل إن همجية هذه الحروب والانتهاكات التي صاحبتها، ساهمت في استشراء الإرهاب، ونمو حدَّته، وأنجبت المزيد من المتطرفين وجماعات التطرف، وعززت مواقع الموجود منها، ووسعت مساحة انتشارهم.
في البداية، لابد لنا أن نقر أن التطرف والإرهاب في منطقتنا لم يأت خلسة، بل هو نتيجة حتمية للسياسات العربية. لقد انتهجت أغلب هذه الحكومات سياسة الاستبداد والقمع والظلم والحرمان ضد شعوبها المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، كما تم تغييب أي مساحة يمكن من خلالها لهذه الشعوب المهمشة أن تمارس حقها في حرية التعبير. ومن الملفت للنظر أن فئة الشباب كانت الفئة الأكثر استهدافاً من قبل الحكومات العربية، إذ يستحيل تقريباً أن تعبِّر عن مظالمها ومطالبها المشروعة بشكل طبيعيي ودون أن ينتهي بها الحال في السجون والمنافي والتجويع.
لقد استفحل التطرف الديني والاستقطاب الطائفي في المنطقة، حتى بلغ مستوى مقلقاً، ويرجع جانب كبير من محفزات هذا التطرف ومنشطاته إلى استغلال بعض الحكومات العربية الدين وجماعاته لأغراض سياسية، واستخدامهم كأدوات للنفير والتعبئة الشعبية في الحرب الباردة التي تشهدها المنطقة، وفي النزاعات الإقليمية والحروب الداخلية التي أشعلتها أو دعمتها بعض هذه الحكومات، بشكل مباشر أو غير مباشر. سعت هذه الحكومات دائماً إلى الانقضاض على ما خلفته ثورات الربيع العربي، وإلى إشغال الشعوب ببعضها والتهرب من الاستحقاقات والمطالب الشعبية المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، بل إن بعض هذه الحكومات اتخذت التطرف والإرهاب ذريعة ومبرراً لتعطيل مطالب الشعوب في الإصلاح السياسي والحقوقي.
المعضلة الرئيسية التي تتجنب الدول الغربية الخوض فيها بشكل واضح هي أنها كانت تعلم، ومنذ زمن طويل، بارتباط بعض حلفائها العرب والمسلمين بحركات الإرهاب والتطرف الديني، وبأنهم الحاضن والممول والداعم لهذه الحركات، لكنها فضلت الصمت واختارت تجاهل هذه الحقيقة حتى لا تخسر مصالحها الاقتصادية وعلاقاتها التجارية مع هؤلاء الحلفاء الأغنياء الأسخياء. بل إنه ولفترة طويلة، تعاملت الدول الغربية مع نتائج وتداعيات الإرهاب من دون ملامسة مسبباته، ومعالجة دوافعه، ومواجهة من يقف خلفه.
لا يبدو من المنطقي أبدا أن نتحدث عن مناهضة التطرف والإرهاب من جهة في حين نعمل على تشجيعه من جهة أخرى، فمدارسنا ومعاهدنا ومناهجنا الدينية في بعض دول الخليج ما تزال تعلم أبناءنا ثقافة الكراهية والتكفير والازدراء الديني لمعتقدات ومذاهب الآخرين، وما تزال مساجدنا ودعاتها ووعاظها ومؤسسات الدولة الدينية تنشر، بل وتدعو وتحرض على الكراهية الدينية والمذهبية برعاية ودعم وتشجيع من الحكومات، وهي ذاتها الحكومات التي تستهدف، في المقابل، كل دعاة الإصلاح السياسي والديني والاجتماعي وتسجن مدافعي حقوق الإنسان وتلاحق رجال الدين الداعين لثقافة التسامح والتعايش الديني والإثني. إن مصير هذه السياسات الحتمي سيكون الفشل من دون شك، إذ أن كل استراتيجية للقضاء على التطرف والإرهاب تغيب فيها الإرادة الحقيقية لدى الحكومات وقادتها، ولا تعتمد على حوار شفاف بين الحكومات وشعوبها، ولا تسعى إلى الشروع في عملية إصلاح سياسي تهدف إلى تحقيق العدالة للشعوب المهمشة، وإطلاق الحريات العامة، وحرية الرأي والتعبير، واحترام حقوق الإنسان، هي بالضرورة استراتيجية رخوة، لا ترتكز على أعمدة صلبة ومآلها الفشل، وربما مزيد من تأجيج الاحتقان الداخلي.
لقد بات فك الارتباط بين الحكومات التسلطية والحركات الإسلامية المتطرفة ووقف توظيف واستخدام المعتقدات والجماعات الدينية في النزاعات السياسية من قبل هذه الحكومات، أمراً ضرورياً اليوم. كما أننا أصبحنا في حاجة أكيدة لتشجيع الإصلاحيين ودعاة الديمقراطية من رجال الدين، وتمكينهم، بل ودفعهم إلى نشر ثقافة التسامح والتعايش الديني والمذهبي والإثني، وتشجيع القراءات الدينية الحديثة التي تحترم قيم العدالة وحقوق الإنسان.