المرأة العمانية: حكومة منفتحة ومجتمع محافظ

أكثر من 45 جمعية خاصة بالمرأة في عمان إلا أنها لا تزال بعيدة عن القضايا الجوهرية

أغلب ما نالته المرأة في عمان لم تنله إيماناً بأهميته وهي حبيسة لرهانات المجتمع و”العيب”

في أكتوبر الجاري تشهد سلطنة عمان انتخابات الدورة الثامنة لمجلس الشورى، التي تعقد كل 4 سنوات. من المقرر أن تكون هذه الدورة الثالثة بنظام الترشح والانتخاب دون وجود أي مقاعد بالتعيين الحكومي أو أي بطاقة كوتا.
بلغ عدد المرشحين للانتخابات في هذه الدورة 684 مرشحاً، بينهم 20 امرأة فقط في مقابل 1056 مرشحاً في الدورة السابقة منهم 77 امرأة. وبالعودة إلى الوراء وتتبع سيرة المرأة العمانية في مجلس الشورى فإن تواجدها كان حاضراً وبارزاً كمرشحة وناخبة من الدورة الثانية والثالثة، تلاها حضور في الدورتين الرابعة والخامسة التي كانت الأولى بنظام الترشح الفردي، دون وجود أي قوائم من مرشحي الحكومة، في الدورة السادسة واجهت المرأة اخفاقاً ساحقاً، تلتها الدورة السابعة بوصول إمرأة واحدة من أصل 77 مرشحة برغم كل الجهود الحكومية والمدنية التي بذلت في سبيل رفع الوعي حول ضرورة وجود المرأة في البرلمان .

وشهد التمثيل البرلماني تراجعاً على صعيد تواجد المرأة وحضورها العام، ففي البلد التي كانت الأولى والسباقة في مجال تمكين المرأة في المناصب القيادية -أول دولة في الخليج تعين امرأة في منصب وكيلة وزارة، وسفيرة- بشكل عام وعدد من الدول العربية بشكل خاص. كانت المرأة حاضرة في بداية الدولة الحديثة لسلطنة عمان التي انطلقت في سبعينيات القرن الماضي مع تولي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم، واكتشاف النفط الذي أحدث ثورة اقتصادية، ومنذ تلك الفترة كانت التوجهات التي رسمتها الحكومة العمانية تحمل وعياً عالياً بأهمية إشراك المرأة، فكان قرار تعليم الإناث متزامناً مع تعليم الذكور ولم يتأخر أو يتأثر بأي ردة فعل رافضة. واستكمالاً لهذا النهج، استقبلت جامعة السلطان قابوس، وهي أول جامعة حكومية في السلطنة، فوجاً من الطلبة والطالبات، واستُكمل الأمر حتى في الوظائف التي تم توفيرها، وكانت خطة تمكين المرأة منذ البداية تسير بخطى واثقة وبمجهود حكومي واضح، فقد شُكل أول فريق من الشرطة النسائية في عام 1972، وخصصت العديد من الوظائف الحكومية لها. وفي عام 2003، عينت الحكومة العمانية أول وزيرة تلاها بعد ذلك تعيين 3 وزيرات أخريات، وخصص منذ العام 2010 يوم للمرأة العمانية هو السابع عشر من أكتوبر.
بالطبع، الوضع ليس مثالياً فهنالك العديد من المشاكل التي تواجهها المرأة العمانية في سياقات شتى، كإجازات الأمومة التي تعتبر من الأقصر عالمياً حسب ما نشرته صحيفة التايمز، وتجنيس أولاد العمانيات المتزوجات بأجانب، أو حتى الإقامة تحت كفالة الأم ونظام التقاعد الذي لا يحق فيه لأبناء المرأة الاستفادة من راتب والدتهم التقاعدي بعد وفاتها، وغيرها من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة والتي تحتاج لحل حاسم. والغريب أن الحراك النسوي في عمان لايزال متأخراً وبطيئاً حتى فيما يتعلق بقضايها الخاصة، وبالرغم من وجود أكثر من 45 جمعية خاصة بالمرأة إلا أنها لاتزال بعيدة عن القضايا الجوهرية ولايزال عملها محكوراً في إطار المعارض التجارية والخيرية، وعدد من الورش غير المتخصصة.
الأسوأ من ذلك هو الرفض الاجتماعي للكثير من الخطوات التي تقدم لتمكين المرأة، والتي يمكنك قياسها عبر ردود الأفعال الشعبية في العديد من القضايا الخاصة بالمرأة، لعل أوضحها للعيان ما حدث مع إعلان أول فريق نسوي أهلي للدراجات في عام 2012، والذي ألغي بعد يوم واحد نتيجة للرفض الاجتماعي وخروج الأهالي في مظاهرات رافضة، في الوقت الذي تطلق فيه الحكومة العديد من الأنشطة الرياضية النسوية وبرعاية حكومية إلا أن المجتمع لا يعترض صراحة على القرارات الحكومية أو يصدر ردة فعل واضحة ومباشرة، فيما يمكنه وأد أي نشاط يصدر من مؤسسة مدنية أو أهليه حين لا يرى أنها تتناسب مع عاداته وتقاليده.
المشكلة التي تواجهها المرأة في عمان هو أن أغلب ما نالته لم تنله إيماناً بأهميته، ولا تزال المرأة حبيسة لرهان المجتمع الذي استسلم للتراخي الاقتصادي واحتكاكه بالثقافات المحيطة وتأثره بالتيار الديني والذي سبب تراجعاً على مستوى الوعي الذي تلتمسه في مستوى الخطاب الشعبي حول المرأة حتى من المرأة نفسها التي تتكاسل، ليس فقط عن الدفاع عن حقها والمطالبة به، بل حتى الاستفادة من القوانين و الفرص التي سنحت لها بالتقدم والمساواة تحت مسميات تخضع لعرف ” العيب” الاجتماعي أو الجدالات الدينية، أو حتى خوفاً من الخوض في مناقشات وصراعات لا تكون نتائجها مضمونة.