ما معنى أن تنجح المرأة السعودية في الانتخابات البلدية؟

 

المرأة إن أُعطِيت الصلاحيات المطلوبة لأداء مهام البلديات سوف تبدع باهتمامها الطبيعي بالتفاصيل

دخول المرأة في المجالس البلدية كناخب وكمرشح هو منعطف تاريخي للمرأة السعودية

 

لأجيب على هذا السؤال الذي وُجِّه لي في أكثر من مناسبة خلال موسم الانتخابات البلدية الحالي والذي تشارك فيه المرأة السعودية لأول مرة كناخب وكمرشح، سوف أعمد إلى طرح سؤال آخر أقرب لتصور المتلقي، ألا وهو: ما معنى أن ينجح الرجل السعودي في أي شيء؟
هناك بلا شك أكثر من عامل يشارك في تحقيق ذلك النجاح، وسوف أسردها بالتسلسل مبتدئة بالأقل فالأكثر تأثيراً وفقاً لوجهة نظري الشخصية التي لا أُلزِم بها أحداً. هناك البيئة المحيطة به وتشمل بيئة العمل، وهناك نظام الدعم ممن حوله، وهناك ما اكتسبه من علم ومهارات، وهناك حاجته للنجاح لتحقيق مكسب مادي أو معنوي وفوق ذلك كله هناك عمله وكدحه.
هنا أصل لأهم العوامل المؤثرة والتي هي أمه. معنى أن ينجح الرجل السعودي في أي شيء، هو أن له أماً عظيمة ربته وعلمته قيمة النجاح واهتمت بأدق تفاصيله النفسية قبل الجسدية حتى أصبح ما هو عليه من قوة وعزم واحترام واتزان، تلك التفاصيل الدقيقة التي لا ينظر إليها غير الأم بقصد أو بعفوية ولا يستوفيها غيرها تترك على بساطتها أكبر أثر في تكوين الأبناء وأدائهم.
وبالحديث عن تفاصيل النشأة أصل إلى تفاصيل الأسرة والمنزل والحي والمدينة. فإن اتفقنا على أن المرأة بطبيعتها تولي اهتماماً بتلك التفاصيل أكثر من الرجل الذي بطبيعته يوجه اهتمامه نحو مناطق أخرى لا تشمل على الأغلب ترتيب المنزل وتناسق ألوانه أو نظافة الحي وتناغم أبنيته وجمال حديقته العامة، ربما تتضح الصورة. لنفترض أن رجلاً ما قام بدعوة زملائه لمنزله، نجد أن أكثر ما يهتم به صاحب الدعوة حينها هو ما سيُقدَّم لضيوفه من طعام وأن يكفي الجميع. المرأة على الكفة الأخرى بالإضافة للطعام، سوف تهتم بالأواني المميًّزة وطريقة التقديم وبتنظيف غرفة الجلوس وتجهيزها وربما تشتري قطع أثاث واكسسوارات إضافية، ثم سوف تلتفت لنظافة فناء المنزل وتشجيره وقد تعمد إلى تجديد طلاء المنزل من الداخل والخارج بين وقت وآخر، وأخيراً قد تؤجل الدعوة كاملة إن صادف وجود حفريات وأعمال صيانة في شارع المنزل. اختلاف هذه الاهتمامات لا تزيد المرأة قدراً ولا تنقص من قدر الرجل، وإنما “كلٌ مهيأ لما خلق له” وكلاهما يستطيع أن يبدع إن وجَّه جهوده نحو اهتماماته الطبيعية. ولذلك تحديداً أجد أن المرأة إن أُعطِيت الصلاحيات المطلوبة لأداء مهام البلديات سوف تبدع باهتمامها الطبيعي بالتفاصيل والجمال وتفانيها لتحقيق ما تصبو إليه مهما كان ثانوياً في نظر الرجل.
أما التشكيك في نجاح المرأة السعودية في هذا المضمار فكان وما يزال يدور حول أربع محاور رئيسية، أولها الإحباط العام من جهاز الشؤون البلدية وما يقدمه، وهذا لا شأن له بالمرأة حيث لم تُعطى فرصة لتكون جزءاً منه قبل اليوم. الثاني مخالفته للشرع، ولن أولي هذا المحور اهتماماً كونه لا يستند الى أدلة أو حتى منطق يُفهم. ثالث المحاور التي يطوف حولها المشكِّكون مبني على التشكيك في الأثر الذي أحدثته المرأة بدخولها مجلس الشورى السعودي، وهنا تجدر الإشارة والتذكير بقانون الحماية من الإيذاء الذي ظل لسنين في ظُلمات الأدراج و لم يرى النور إلا بوجود نسوة الشورى اللواتي تبنينه من منطلق الدفاع عن المرأة والطفل وهو ملف لم يكن على رأس قائمة أولويات رجال الشورى بطبيعة الحال، ذلك عدا الملفات الأخرى التي تُعنى بأساسيات صحة المجتمع وبنائه ولكِّنها لم تلقَ موافقة رئيس المجلس للعرض والنقاش والتصويت كملف التحرش وملف قيادة المرأة للسيارة وغيرها. ولذلك، عندما أذكر الصلاحيات أضع تحتها ألف خط، حتى تستطيع المرأة أن تُنتج ونستطيع أن نحكم بإنصاف. المحور الرابع والأخير في سياق هذا المقال هو عدم مناسبة طبيعة العمل البلدي الذي يتطلب النزول في الميدان والتعامل مع الأجهزة الحكومية ذات الصلة لطبيعة المرأة، وأنا هنا أقول بأن الرجل في هذا المجال لا يملك رجلاً أو يداً إضافية، فأفسحوا لها الطريق وأزيلوا المعوِّقات وتعاونوا معها باحترام وقبول ثم اتركوها تقرر إن كانت المَهمَّة تناسب طبيعتها أم لا.
المرأة السعودية كافحت ونجحت في كثير من المجالات رغم المعوِّقات، و اليوم لا ينقصها سوى الثقة والفرصة التي أعطيت لباقي نساء العالم حتى تتجاوزهن. إن دخول المرأة في المجالس البلدية كناخب وكمرشح هو منعطف تاريخي للمرأة السعودية وللدولة ككل نحو نهضة حضارية ومجتمع أكثر توازنا يساهم فيه نساؤه كما رجاله، وكما جرت العادة، كان من المتوقع أن يحاول من اعتادوا تهميش المرأة وتحديد أدوارها والاختيار عنها وضع العقبات في طريق تحقيق هذه المشاركة ونجاحها. مع ذلك فقد أثبتت المرأة السعودية بإصرارها تجاوزها لما وُضِع من هذه العقبات والصعوبات في أولى مراحل الانتخابات، مرحلتي قيد الناخبين وقيد المرشحين، وستواصل مسيرتها بما تملك ولو قل.