خمس قضايا تشغل المرأة في عُمان
منذ سبعينيات القرن الآفل مع وصول السلطان الراحل قابوس بن سعيد إلى سدة الحكم، شهدت حقوق المرأة في سلطنة عُمان تطوراً لافتاً. مُذاك؛ شرّعت الدولة حقّ المرأة العمانية في التعليم والعمل، تبع ذلك منح المرأة العمانية حق المشاركة السياسية (التصويت والترشح) والوصول إلى المناصب القيادية ومؤسسات المجتمع المدني التي شاركت فيها المرأة بفاعلية، وصولاً إلى أحدث نظام أساسي للدولة في عهد السلطان هيثم بن طارق آل سعيد والذي نص صراحة على المساواة بين الرجل والمرأة.
ورغم أن الحكومة هي التي قادت هذه التحولات حيث كانت أكثر إيماناً بحقوق المرأة مقارنة بالثقافة المجتمعية السائدة ذات التوجه المحافظ؛ إلا أن المرأة العمانية بقيت تعاني من بعض القضايا وتطالب وتضغط في سبيل الحصول على كامل حقوقها.
يعرض هذا المقال عدداً من القضايا والملفات العالقة التي كانت ولا تزال هاجساً للمرأة العمانية، منهما نسبة البطالة المرتفعة بين الإناث مقارنة بالذكور، وقلة التمثيل السياسي، إلى جانب الحق في تمرير الجنسية للأبناء، وتحسين بيئة العمل، ومعالجة ملف العنف ضد المرأة.
مُعطّلة عن العمل لا عاطلة
يمثّل عمل المرأة نافذتها للفضاء العام، ويضمن حقها في الحصول على فرص عمل متكافئة ضمان قدرتها على إدارة شأنها الخاص وخلاصها من التبعية والتهميش اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. واقع الحال أن المرأة العمانية لا تزال تواجه شبح البطالة، بل وتشكل النسبة الأكبر بين الباحثين عن عمل. الغريب في الأمر أنه كلما زاد المستوى التعليمي للمرأة كلما ارتفعت نسب البطالة في هذه الشريحة. وبالرجوع إلى المركز الوطني للإحصاء والمعلومات يتبيّن أن ٥٨.٤٪ من النساء العاطلات عن عمل في عمان هنّ من حملة شهادة البكالوريوس وما هو أعلى من ذلك. وتشكل النساء أكبر نسبة بين الباحثين عن عمل بما يتجاوز ٥٦٪، وتبلغ نسبة النساء العاملات في سن (١٩-٣٠) نحو ٢١٪ فقط من إجمالي العمالة الوطنية حسب إحصائية عام ٢٠٢٠.
وتشير هذه الإحصاءات بشكل صارخ إلى وجود حالة من التمييز ضد المرأة في التوظيف وغياب لمبدأ تكافؤ الفرص الذي ينص عليه النظام الأساسي للدولة. صحيح أن الجنسين يعانون من البطالة؛ إلا أن وضع المرأة أكثر سوءً. تُستبعد النساء من العديد من الوظائف كما ويمنع النظام المتبع للمنافسة على الوظائف النساء بالفعل من المفاضلة على كثير من فرص العمل دون سبب مقنع. وعليه، يمكن القول أن المرأة العمانية مُعطّلة عن العمل لا عاطلة بمحض إرادتها، والمثير للامتعاض هو مستوى التعاطي مع هذه القضية، لا تملك الحكومة مبررات ناجعة لتهميش النساء من كثير من الوظائف والمناصب، ومن جهة أخرى، يُطبّع المجتمع العماني مع فكرة عزل المرأة عن سوق العمل والحياة العامة ولم تبقى سوى بضع أصوات نسائية تُطالب بإعادة النظر في نظام التوظيف دون استجابة.
الحصول على العمل هو التحدي الأهم أمام العمانيات؛ وهو ما ينعكس على بقية جوانب الحياة، وما يحدد قدرتهن على أن يكن شريكات مكافئات للرجل في بناء الأسرة، وهو ما يؤثر أيضاً على وضع المرأة العمانية سياسياً وفعاليةً في الفضاء العام وهو ما يُفشل كل مساعي تمكين المرأة، بل ويعيدها إلى نقطة الصفر.
بيئة عمل صديقة للمرأة
يتطرق الملف الثاني لمشاركة المرأة في الاقتصاد وبيئة العمل، وهو مرتبط بالحق في العمل. عموماً لا زال التحاق المرأة ومستوى مشاركتها في الاقتصاد الوطني متدنياً. وحسب الإحصائيات الصادرة من المركز الوطني للإحصاء ٢٠٢٠، تشكل النساء الشابات بين (١٨-٢٩ سنة) ١٤.٣٪ فقط من إجمالي العاملين في القطاع العام و٢٦.٢٪ في القطاع الخاص، كما يوجد عدد قليل من النساء في المناصب القيادية العليا. وقد تعود الأسباب خلف تفضيل الذكور في الوظائف إلى اعتقادين؛ أحدهما سياسي والآخر اجتماعي. يرتبط الاعتقاد الأول بما تمثله البطالة عند الذكور من مخاطر أمنية واجتماعية مباشرة مقارنة بالبطالة عند النساء. ويعود الاعتقاد الثاني للفكرة النمطية التقليدية التي تركز على أن الرجل، في المجتمعات الخليجية خاصة، هو المسؤول عن إعالة الأسرة.
تلعب الأعراف الاجتماعية السائدة دوراً مؤثراً في حرمان النساء من المشاركة الاقتصادية. لا شك أن عدم توفر بيئة عمل صديقة للمرأة هو أحد أسباب انسحاب المرأة من سوق العمل وكذلك اللجوء إلى التقاعد المبكر، خصوصاً وأن المجتمع يُصنف الأعمال إلى أعمال مقبولة إجتماعياً للمرأة وأخرى غير مقبولة متأثراً بالصور النمطية للأدوار الجندرية، لاسيما مع عدم توفر المرافق والخدمات الأساسية كالحضانة في مقرات العمل. إضافة إلى ذلك، تنسحب الكثير من العمانيات من سوق العمل بسبب عدم توفر بيئة آمنة لهن أو قوانين صارمة تمنع التحرش والمضايقات. وفي القطاع الخاص تحديداً، ليس ثمة بيئة صديقة لعمل المرأة؛ ما يعرضها لخطر التحرش والإساءة والمضايقات. يمكن الاستفادة في هذا السياق من تجارب قطاع النفط والغاز، خصوصًا شركة تنمية نفط عمان وتجربتها في تحسين بيئة العمل ووضع معايير تحفز وجود المرأة وهو ما زاد من تمثيلها في الشركة بشكل مطرد في السنوات الأخيرة.
تجنيس أبناء العمانيات
يمثل تمرير العمانيات الجنسية لأبنائهن ثالث القضايا الشائكة والتي يدور جدل مجتمعي حاد حولها بين مؤيد ومعارض. وفيما يؤكد النظام الأساسي للدولة – بشكل صريح – في الباب الثالث المتعلق بالحقوق والواجبات (المادة ٢١) أن المواطنين جميعهم سواسية ولا تمييز بينهم بسبب الجنس – وأسباب أخرى أيضاً ذُكرت في المادة ذاتها – إلا أننا في الواقع لا نجد أن حقوق المرأة العمانية مصانة على أساس حقها الكامل في المواطنة. لابد من أن تنتقل المبادئ التي ذُكرت في النظام الأساسي للدولة إلى حقوق مُمارسة في الحياة العامة وأن يتم تطبيقها بما يحقق المساواة والعدالة بين الجنسين.
يذكر أن سلطنة عمان كانت قد وقعت على اتفاقية سيداو لمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة لكنها أبقت تحفظها على بعض المواد ومن ضمنها الفقرة الثانية من المادة رقم 9 التي تقتضي بمنح المرأة ذات الحق المشروع في توريث الجنسية للأبناء أسوة بالذكور. تتحدث الكثير من العمانيات عن هذا النوع من التمييز حيث لا يتيح القانون للعمانيات المتزوجات من أجانب تمرير الجنسية لأطفالهن، كما أن غالبية مؤسسات المجتمع المدني لا تقف مع مطالبهن. الأكثر من ذلك، دائما ما يتم لوم العمانيات على خيار الزواج من الخارج واستنكار مطالبهن والتذرع بالمخاوف الأمنية لمنع توريث الجنسية لأبناء المواطنات.
المشاركة السياسية: الحلول متاحة
منذ بدء نهضة عُمان وحتى اللحظة، يبدو حضور المرأة العمانية في الحياة السياسية ضعيفاً بل يكاد يكون معدوماً. تبدو العمانية معزولة ومُغيّبة، وتؤثر الصورة النمطية والأدوار الجندرية بشكل ملحوظ على حضورها في السلطنة. يواصل المجتمع ممارسة وصايته وقوامته على المرأة، وهو ما يكون ذلك جلياً مع نتائج كل دورة انتخابية إذ تشير النتائج إلى أن العمل السياسي ذكوري وغير لائق للنساء بحسب ما تتمخض عنه آراء الناخبين؛ وهو ما يجعل النساء – إلى جانب أسباب أخرى – أقل حظّاً في التمثيل البرلماني.
يضم مجلس الشورى في دورته الحالية عضوتان من النساء من مجموع ٨٦ عضواً وهو عدد لا يعكس الإرادة الحقيقية لتمكين المرأة.
يشير العديد من المراقبين إلى أن تطبيق الكوتا في مجلس الشورى بات مسألة ضرورية، وأن على السلطة السياسية والمجتمع أن يدركوا أهمية ذلك. لكن كيف يمكن التطرق للتشريعات التي تمس المرأة بشكل مباشر دون أن تكون المرأة نفسها جزء من هذا الحوار؟ وكيف يمكن اعتبار مجلس الشورى العماني كبرلمان يعكس كافة الشرائح العمرية والثقافية والنوعية إذا كانت المرأة غائبة عنه؟
ينبغي تطبيق الكوتا أو نظام المحاصة النسائية – ولو بشكل مؤقت – لزيادة نسبة المشاركة السياسية للنساء في مجلس الشورى. ومن بين الحلول الأخرى لهذه المعضلة، توسيع الدائرة الانتخابية لتصبح على مستوى المحافظات لا الولايات واعتماد نظام القوائم الانتخابية بدل نظام الصوت الواحد في الولاية والتي غالبا ما تحكمها الولاءات القبلية. ومع ملاحظة أن كل النساء اللواتي وصلن لمجلس الشورى في كل دوراته هنّ من ولايات لها مقعدين انتخابيين مثل مطرح صحار والسيب. ويجدر الالتفات إلى أن توسيع الدائرة الانتخابية سيزيد بالضرورة من حظوظ المرأة في الانتخابات إذ سيكون لكل محافظة عدد أكبر من المقاعد.
حماية المرأة من العنف الأسري
تتصدر أولوية حماية المرأة من العنف الأسري الخطاب النسوي في السلطنة منذ أعوام. تلاقي هذه القضية تغييباً ملحوظاً من قبل صُناع القرار وتجاهلاً من الهيئات والمؤسسات المعنية بتلقي بلاغات وقوع العنف الأسري رغم تصدرها لوسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية المختلفة لفترة طويلة.
تُحاول العمانيات من خلال المطالبة بخط ساخن لحماية المرأة، التشديد على أننا لا نعيش في مدينة فاضلة وأن العنف الأسري ليس من صنع الخيال أو مبالغات أو حالات فردية كما يصوره البعض، بل هو واقع ملموس ويمكن لأي امرأة أن تتعرض للعنف حتى في أكثر المجتمعات تقدماً أو في أكثرها تديناً.
هناك ممانعة مجتمعية يمكن رصدها، والنخب المجتمعية مُطالبة بتبني اعتماد خط ساخن لحماية المرأة والتبليغ عن حالات العنف الأسري. يذكر أنه ومن أجل الدفع بهذه المطالبات، أطلقت مجموعة من العمانيات مؤخراً عريضة لتبني خط ساخن لحماية النساء من العنف وتم توجيهها إلى وزارة التنمية الإجتماعية -التي ترأسها امرأة- دون أن يحظى بأي استجابة.
وتكمن أهمية وجود خط ساخن للتبليغ ضد العنف الواقع على المرأة في أن الكثير من المعنفات لا يلجأن لأروقة المحاكم لاسترداد حقوقهن وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية. في الغالب، اللجوء للقضاء في حالات العنف والتبليغ عن الزوج أو الأب أو الأخ يصبح عاراً للفتاة في عرف وتقاليد أي مجتمع محافظ.
ليست هذه كل القضايا المهمة التي تهتم بها المرأة في عمان. في الحقيقة، ثمة قائمة طويلة من القضايا الشائكة التي تمس حياتها وتعرقل مشاركتها وفاعليتها في الحياة العامة. رغم ذلك، إن حلولاً عاجلة لهذه القضايا سيكون لها بالغ الأثر.