البحرين ومعضلة الدّين عند 133% من النّاتج المحلّي: ما العمل؟
عمّقت أزمة جائحة كورونا من المشكلة الاقتصاديّة في البحرين التّي تعاني من ضعف اقتصادها بطبيعة الحال، الناتج المحلي في البحرين (بحسب تقديرات صندوق النّقد الدّولي)، وهي الدّولة الأقلّ انتاجًا للنّفط من بين دول الخليج، حقّق انكماشًا بنسبة سالب 5.4%. كما قفز عجز الموازنة خلال عام 2020 بشكل كبير، حيث قدّرت نسبته بـ 18.2% من النّاتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تمثل ضعف ما تحقق في عام 2019 عند معدل 9%.
ولذلك، أتى تقرير خبراء صندوق النّقد الدّولي المنشور منتصف فبراير 2021، ليوصي بضرورة تبنّي برنامج إصلاحات ماليّة يستهدف الهبوط بمعدلات الدّين العام، ليتناسب مع الأداء الاقتصادي للبحرين.
الدّعم الخليجي
أمّنت الحاضنة السّياسية للبحرين من قبل بعض دول الخليج (السّعودية، الإمارات، الكويت)، دعمًا بنحو 10 مليارات دولار وعدت به عام 2018، حصلت منه البحرين على نحو 2.3 مليار دولار في مايو 2019، ونحو 4.5 مليار دولار في مايو 2020. وثمّة تصريحات تقول بأنها سوف تحصل على قسم جديد من هذا الدّعم بنحو 1.76 مليار دولار.
وعلى الرغم من أنّ هذا التّمويل من بعض دول الخليج للبحرين، سمّي دعمًا، إلا أنه في حقيقته قرض يسدّد على الأجل الطّويل. وكانت الحكومة البحرينيّة قد أعلنت أنّ ما تحصل عليه من أموال هذا الدّعم، يوجّه بشكل رئيسي إلى سداد التزامات الدّين العام التّي حلّ موعدها، ولتمويل عجز الموازنة.
قد تكون الظّروف التي سمحت لبعض دول الخليج بتقديم الدّعم للبحرين بنحو 10 مليارات دولار، لا تسمح بتقديم المزيد منه خلال الفترة المقبلة. ففي عاميّ 2018 و2019، كانت أسعار النّفط قد تحسّنت في السّوق الدّولية بشكل نسبيّ. إلّا أنّ هذه الدّول تأثّرت بشكل كبير في ظل جائحة فيروس كورونا، ولجأت الدول الدّاعمة نفسها للاستدانة واضّطرت للسّحب من احتياطياتها من النّقد الأجنبي.
من هنا، وجدنا البحرين تصدر سندات بقيمة 2 مليار دولار في السّوق الدّولية في مايو 2020، ولقي الإصدار إقبالًا بنحو 11 مليار دولار بسبب ارتفاع نسبة الفائدة التي وصلت إلى ما يزيد عن 6%، وهي نسبة شديدة الإغراء للمكتتبين في ظل حالة الرّكود في الاقتصاد العالمي، وانخفاض أسعار الفائدة بشكل كبير في معظم الدّول الأوروبّية والولايات المتحدة، بل واقترابها من الصّفر.
هيكل اقتصادي مختلّ
وفق تصريحات مسؤولي الحكومة البحرينيّة حول توظيف ما حصلت عليه من قروض، فإن أزمتها سوف تستمرّ، شأنها شأن كافّة الدّول النّامية التّي تقترض فقط من أجل سداد الدّيون أو سدّ عجز الموازنة، وطالما لم تستخدم الدّيون في أنشطة إنتاجيّة واستثماريّة، فإن مشكلة التّمويل ستبقى قائمة، ولن تحلّ في الأجلين القصير والمتوسط ما لم تتغيّر السّياسة الإقتصادية بشكل إيجابي، بل على الأجل الطّويل سوف تتعقّد أزمة الدّيون بسبب غياب الإنتاج والاستثمار.
ويلاحظ أن بنية هيكل الاقتصاد البحريني لم تتغيّر منذ عقود، حيث لايزال النّفط عصب الاقتصاد، فالصّادرات النّفطية تمثل 60% من عوائد الصّادرات السّلعية، كما تمثل عوائد النّفط 70% من إجمالي الإيرادات الحكوميّة، ويسهم القطاع النّفطي بنحو 11% من النّاتج المحلّي الإجمالي.
بلغ النّاتج المحلّي الإجمالي للبحرين 38.5 مليار دولار في عام 2019، وحسب بيانات حديثة لصندوق النّقد الدّولي، بلغت نسبة الدّين العام 133% من النّاتج المحلّي للبلاد في عام 2020، وذلك بسبب التّداعيات السّلبية لجائحة فيروس كورونا. فقد كانت نسبة الدّين العام للنّاتج المحلي في عام 2019 عند معدل 102%، وهو ما يعني أن البلاد اعتمدت بشكل كبير خلال 2020 على الاستدانة بسبب حزمة التّحفيز الإقتصادي التّي اعتمدتها البحرين خلال عام 2020 لمواجهة جائحة فيروس كورونا، وقدّرت تكاليف هذه الحزمة بنحو 11.4 مليار دولار.
مزيد من الدّيون
حذّرت وكالة موديز في الشّهور الأولى من عام 2020 من وضع إحتياطيات النّقد الأجنبي في البحرين، والتّي وصلت إلى 768 مليون دولار في أبريل 2020، ثم ارتفعت إلى 1.8 مليار دولار بعد أن أصدرت البحرين سندات دوليّة بقيمة 2 مليار دولار. ونصحت الوكالة البحرين بالتّوجه للإقتراض لحماية سعر صرف عملتها واستمرار ربطها بالدولار.
كما أنّ وكالة فيتش خفّضت تقييم الاقتصاد البحريني بدرجة واحدة في أغسطس 2020، عند “B+ ” وأرجعت الوكالة أسباب تراجع تصنيف اقتصاد البحرين إلى تأثّره بالتّداعيات السّلبية لتراجع أسعار النّفط، وكذلك بالآثار السّلبية لجائحة كورونا.
ولعلّ التّحسن الحاصل في سعر النّفط في السّوق الدّولية منذ منتصف يناير 2021 ؛ بلغ سعر برميل النفط أكثر من 60 دولار؛ قد يساعد في تحسّن الأوضاع الماليّة في البحرين، ويخفّف من الطّلب على القروض الخارجيّة، وبخاصّة إذا علمنا أن ميزانيّة 2021 في البحرين قامت على تقدير سعري لبرميل النّفط عند 45 دولار.
ويعدّ تحسّن سعر النّفط في السّوق الدّولية أحد أهمّ الأسباب التّي من الممكن أن تساعد في تخفيف حدّة طلب القروض في البحرين، ولكن علينا أن نتذكّر أن قدرة البحرين الإنتاجيّة من النّفط متواضعة، فهي بحدود 200 ألف برميل يوميًا. كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن التّكلفة التي تحمّلها الإقتصاد البحريني خلال عام 2020 لمواجهة جائحة كورونا قد لا يحتاج لمثلها في عام 2021، أو على أقل تقدير قد يتمّ الاحتياج لمبالغ أقلّ من تلك التي استخدمت في حزمة التّحفيز في عام 2020.
لقد كانت تقديرات تعادل الميزانيّة البحرينيّة في عام 2020 مرتبطة بسعر 91 دولار لبرميل النّفط، وكون السعر الآن عند 60 دولار تقريبًا، فإن ذلك يكرّس لاستمرار العجز بالميزانيّة البحرينيّة خلال 2021. كما سيستمرّ العجز خلال السنوات القادمة، إذ لا يتوقّع أن يتحسّن سعر النّفط ليصل إلى معدلات أسعار تعادل الميزانية البحرينية في الأجل المتوسّط، أي خلال السّنوات الثلاثة القادمة.
التّطبيع ليس مخرجًا من الأزمة
في سبتمبر 2020، اتّجهت البحرين مع الإمارات لتوقيع اتفاقيّات للتّطبيع مع إسرائيل، وكانت اللّافتة المطروحة والدّافعة لتوقيع هذه الاتّفاقيات هي الجوانب الاقتصاديّة التي يستفيد منها الطّرفين، ولكن القراءة السّليمة لهذه الاتّفاقيات ذات الأبعاد السّياسية بامتياز ترينا أن الوضع الإقتصادي والسّوق البحريني لا يمثلان أهميّة تذكر أو إغراء لإسرائيل. فالبحرين ليست دولة مصدّرة لرأس المال كما هو الحال في الإمارات مثلًا، كما أن السّوق البحريني محدود من حيث عدد السّكان، ولا تمتلك البحرين سوى الموارد الطّبيعية والمتمثلة في النّفط والغاز بشكل رئيس وبكميّات محدودة.
وإذ تسوّق البحرين لنفسها على أنها سوق خدمات في المجال المالي والسّياحي، وهي نفس المجالات التي تعمل عليها إسرائيل، يتضح أن الدولتين في وضع تنافسي وليس تكاملي على صعيد الخدمات الماليّة أو السّياحية. ومؤخرًا انضمت إسرائيل للدول المصدرة للطّاقة بعد استيلائها على الغاز الطّبيعي في المناطق الفلسطينية المحتلة.
في الأجل القصير، لا يلوح في الأفق حلّ لأزمة البحرين الإقتصاديّة سوى تحسّن قويّ في سعر النّفط يمكّنها من تخفيف الإعتماد على القروض أو الدّعم، ثم يخوّلها بعد ذلك من سداد ديونها المتراكمة منذ عام 2015.