توقّعات نمو اقتصادات دول الخليج مشجعة: نفط أغلى وسلاح أقل

تجاوزت أسعار النّفط في السّوق الدّولية حاجز الـ 60 دولار للبرميل خلال فبراير 2021، وهو ما دفع البعض لتوقّع استمرار موجة صعود الأسعار وحدوث انتعاشة ماليّة في دول الخليج العربيّة التي تعيش أزمة ماليّة واقتصاديّة منذ منتصف عام 2014، وهي الأزمة التي زادت حدّتها مع جائحة كورونا في 2020، ممّا أدّى إلى تراجع معدّلات النّمو الاقتصاديّ باقتصاديّات الخليج في عام 2020 إلى سالب 7.1% وفق تقديرات السّيناريو المتشائم، ونحو سالب 3.1% وفق تقديرات السّيناريو المعتدل.

ويذهب البعض بعيدًا في تقديرات التّفاؤل بشأن تحسّن أسعار الّنفط في السّوق الدّوليّة بعد تجاوزها حاجز الـ60 دولار للبرميل كما نقلت “بلومبرج” مؤخرًا عن أحد خبراء الطاقة، والذّي توقّع أن تصل أسعار النّفط في عام 2022 إلى 100 دولار للبرميل.

 من جهة أخرى، يرى البعض الأخر أن 60 دولار للبرميل هو السّعر الأفضل الآن، إذ أنّ النّفط الصّخري الأمريكي يمكن انتاجه بسعر 45 دولار للبرميل، وإذا زاد سعر السّوق عن 60 دولار للبرميل، فسيسمح ذلك بدخول انتاج النّفط الصّخري بقوّة إلى الأسواق، وهو ما يعني وجود فائض كبير في السّوق، وبالتالي العودة مرة أخرى لانخفاض الأسعار.

النّمو الاقتصادي في دول الخليج

كانت الأيام الأولى لعام 2021 تبشّر بعودة الحياة شبه التّامة لاقتصاديّات الخليج، إلا أنه مع نهاية يناير وبداية فبراير 2021، عادت كل من السّعودية والإمارات وقطر والكويت، الى حظر بعض الأنشطة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وكذلك حظر استقبال رحلات جويّة من عدد من الدّول في إطار إجراءات الوقاية من نقل عدوى كورونا.

 حتى مع الاستمرار بفرض ابقاء سعر النّفط في السّوق الدّولية أعلى من 60 دولار للبرميل، وهو ما يعني تحسين الإيرادات النّفطية للإقتصاديّات الخليجيّة، إلا أن عدم احتواء جائحة كورونا واستمرار التّهديد الصّحي، يجعل من تفعيل هذه العوائد النّفطية المرتفعة إلى حد ما عن عام 2020 أمرًا غير متاح على الصّعيد الاقتصادي، أي أنّ معدّلات النّمو الاقتصادي في 2021 أو على الأقل خلال النصف الأول منه، ستبقى عند المعدّلات الإيجابيّة الدّنيا.

 ثمّة توقّعات مختلفة حول معدّلات النّمو الإقتصادي في دول الخليج خلال عام 2021، فالبنك الدّولي يعتبر أن معدلات النّمو الاقتصادي لدول الخليج ستكون بحدود 2.1%، وهو ما اعتبره تقرير الأفاق الاقتصاديّة العالميّة انعكاسًا للضرر الدّائم الناجم عن انخفاض أسعار النّفط.

 ولكي يتمّ هذا التعافي الذي يعتبر الأقل من بين التّقديرات الأخرى، يشترط تقرير البنك الدولي، أن تتحقّق في منطقة الخليج عدّة شروط هي: احتواء جائحة كورونا واستقرار أسعار النّفط وعدم تصاعد التّوترات الجيوسياسيّة مجدّدًا، مع افتراض توزيع اللّقاحات في النّصف الثّاني من عام 2021.

ومن الواضح أن تحقيق هذه الشّروط الثلاثة قد يكون صعبًا أو على الأقل مرهقًا لاقتصادات الخليج، فعلى صعيد احتواء الجائحة، فالمتغير هنا خارجي ويتعلق بنقل الفيروس أو سلالاته الجديدة إلى بعض دول الخليج، وبخاصّة تلك التي لديها تعاملات كبيرة وأسواق مفتوحة مع العالم مثل السّعودية والإمارات، وإن كانت قطر تشترك معهما في هذا التّهديد كذلك. بالتّالي فاحتواء الجائحة على الصّعيد الصّحي سيستنزف جزءًا لا بأس به من الموارد الماليّة في الخليج خلال الفترة المقبلة.

أما استقرار أسعار النّفط، فهو مرهون بعوامل عدة، على رأسها استمرار اتّفاق “أوبك بلاس” لخفض سقف الإنتاج عند معدّلاته الحاليّة، بما يحافظ على نسبة المعروض من النّفط في السّوق الدّولية، ويؤدّي إلى استنزاف الاحتياطيات الإستراتيجية لدى الدول الكبرى، والتّي امتلأت عن آخرها خلال فترة النّفط الرّخيص منذ مطلع عام 2020.

وثمّة أمر مهمّ يتعلّق بالأوضاع السّياسية في الإقليم ساعد على استمرار سعر الـ 60 دولار للبرميل، وهو تصريح الرّئيس الأمريكي جو بايدن بشأن عدم رفع العقوبات الإقتصاديّة عن إيران من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات، وهو ما يعني استمرار حرمان السّوق الدّولية من النّفط الإيراني، واستمرار العرض عند المعدّلات المقبولة التي أدّت لكسر حاجز الـ 60 دولار للبرميل في فبراير 2021.

أما الشّرط الثّالث والمتعلّق بعدم تصعيد التّوتّرات الجيوسياسيّة في المنطقة، فهو بلا شكّ مرهون بإنهاء الحرب في اليمن وسورية والعراق وليبيا، وإن كانت جماعة الحوثيين قد استهدفت بعض المرافق الحيويّة مؤخرًا في السعودية، وهو ما يمكن قراءته على أنّ الوصول لحالة تهدئة جيوسياسيّة في المنطقة في الأجل القصير أمر صعب. 

 ويقترب تقرير الأسكوا بعنوان “وقائع وآفاق في المنطقة العربية..مسح التّطورات الاقتصاديّة والاجتماعيّة 2019 – 2020” من تقديرات البنك الدّولي، حيث يتوقّع تقرير أسكوا أن يكون معدّل النّمو الإقتصادي  بمنطقة الخليج عند 2.1% وفق تقديرات السّيناريو المتشائم، و2.3% وفق تقديرات السّيناريو المعتدل. ليس هذا فحسب، بل يذهب التّقرير أيضا إلى القول أنّ تداعيات كورونا وأزمات أسعار النفط عن الدّول العربيّة المصدّرة للنّفط لن تزول في عام 2021.

إلا أنّ تقدير صندوق النّقد الدّولي لمعدّل النّمو الإقتصادي في دول الخليج، هو الأكثر تفاؤلًا من بين التّوقّعات، حيث يقدّر أن يصل النّمو عام 2021 في دول الخليج إلى 3.5%، على أساس تحسّن أسعار النّفط. 

وحتى تقدير صندوق النقد الدولي، الذي يعد الأكثر تفاؤلاً، يراه البعض حالة استثنائية خلال عام 2021، حيث يتوقع أن تتراجع معدّلات النّمو عن هذا المعدل في عام 2022، لأن عام 2021 يعتبر عام القفزة من بعد عام الأزمة في 2020، وبالتالي سيمثّل عام 2022، أكبر تحدي للنّهوض بمعدّلات النّمو الاقتصادي في الدّول العربيّة بشكل عام، وفي دول الخليج بشكل خاصّ.

الدفع الذاتي

شهد مطلع يناير 2021، تحقيق المصالحة الخليجيّة وهو أمر إيجابيّ يعكس في حقيقته عوامل ومقومات يمكن من خلالها تحسين معدّلات النّمو الاقتصادي لدى دول الخليج، من خلال توفير ما كان يصرف في فترة 2017 – 2020 على التّسليح والحرب النّاعمة بين طرفيّ الأزمة الخليجيّة، لينفق على متطلّبات التّنمية.

لوحظ في كافّة ميزانيّات دول الخليج لعام 2021، تراجع الإنفاق على الاستثمارات العامّة، وتقليص الدّعم، وتخفيض الوظائف بالجهاز الحكومي والإداري للدولة. وفي حالة توجيه جزء من الإنفاق على التّسليح أو الحرب النّاعمة؛ الذي كان قائمًا إبان النزاع الخليجي؛ على الاستثمارات العامّة أو تحسين الأجور أو زيادة مخصصات الدعم، سينتعش الاستهلاك والطّلب المحلّي، وستكون النّتيجة المتوقعة، زيادة معدّلات النّمو الإقتصادي وفرص العمل.

ومن ناحية أخرى يمكن لدول مجلس التّعاون الخليجي أن يكون لها دور إيجابيّ لزيادة معدّلات النّمو الاقتصادي من خلال العمل على مواجهة جائحة كورونا بعمل جماعيّ يقرّه مجلس التّعاون الخليجي، سواء على الصّعيد الصّحي أو الإقتصادي أو الإجتماعي. اذ لا يزال تعامل دول الخليج مع جائحة كورونا، أو مع أزمة انهيار أسعار النّفط، يتّسم بالفرديّة.

منشورات أخرى للكاتب