سلاح الجوّ الإيراني: أسطول قديم وخيارات تحديث معقدة

ترتفع حدة التوترات في المنطقة، مع استمرار التصعيد بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية. فمنذ اغتيال قائد قوة القدس السابق في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، وما تبعه من تطبيع للعلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وصولاً إلى اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، قُرعت طبول الحرب وإن كان الأمر لم يراوح المساحة الإعلامية حتى اللحظة.

من وجهة نظر واشنطن، ينبع الخطر الأول الإيراني من البرنامج الصاروخي، فيما سلاح الجو لا يبدو ظاهرًا على اللائحة الأميركية لمصادر التهديد الإيرانية. ففي تقارير عديدة، اعتبر مسؤولون أميركيون أن إيران تحاول عبر نظامها الصاروخي، تعويض الدونية الهائلة لسلاحها الجوي الذي يلهث بعيدًا ليس خلف إسرائيل فحسب، إنما جيرانها في الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. 

في مقابل هذا الاستخفاف الأميركي بسلاح الجو، أعلنت قيادة القوات الجوية في الجيش الإيراني في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، عن تنفيذ مناورة “فدائيو الولاية”، حيث أعلن المتحدث باسمها العميد الطيار فرهاد كودرزي اختبار قاذفات ومقاتلات من طراز “إف 14 “، إضافة للطائرات المسيرة من طراز “آرش”. 

إنطلاقاً من هنا، تُطرح علامات استفهام عديدة، بعيداً عن التضخيم أو الإستخفاف، حول حقيقة وضع سلاح الجو في إيران. ولا بد من التنويه، إلى أن هذا السلاح ينقسم إلى قوتين، الأولى هي القوة الجوية للجيش الإيراني، والثاني هي قوات الجوفضاء التابعة للحرس الثوري الإيراني.

الواقع التاريخي

تأسس سلاح الجو الإيراني عام 1925 بعد شراء طائرات نقل ألمانية من نوع يونكرز إف 13 ثم زود لاحقاً بطائرات عسكرية فرنسية وسوفييتية. وبعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، جرى تأسيس القوات الجوية الإسلامية في إيران، قبل اشتعال الحرب العراقية الإيرانية بعدة أشهر. تشكّل هذه الحرب نقطة تحوّل في سلاح الجو، بسبب الإستنزاف الذي تعرّض له، إضافة للعقوبات الأميركية التي فُرضت على الجمهورية الناشئة، ما منعها من تطوير قواها، أو صيانة القطع العسكرية الموجودة لديها.

يشرح الإستشاري البريطاني في مجال الطيران والدفاع “إدوارد هانت” واقع القوة الجوية لإيران، موضحاً أن “تاريخ جزء كبير من سلاح الجو الإيراني يعود إلى فترة ما قبل عام 1979، حيث زودته الولايات المتحدة بمعظم أنواع الطائرات القتالية المتقدمة”، مضيفاً “لا تزال العديد من هذه القطع العسكرية في الخدمة، كطائرة Grumman F-14 Tomcats ، إلى جانب F-4s و F-5s، إلا أنها تفتقد للترقيات التقنية بسبب نظام العقوبات”.

ما إن خرجت الجمهورية الإسلامية من تحدّيات ما بعد الثورة في العام 1979، واجهت هذه الدولة تحدياً صعباً: حربٌ مع العراق المدعوم عسكرياً من جهات دولية عديدة. اعتمدت طهران حينها على ما بقايا ما تركه الشاه من قوة قتالية. على صعيد القوة الجوية، كان العديد من الطيارين الإيرانيين، حسب هانت، يتمتعون باحترافية عالية بسبب تلقيهم التدريب الجيد قبل الثورة الإسلامية على طائراتهم، التي كانت تعتبر متقدمة في حينها، ومساوية لطائرات خصومهم. ومع ذلك، بعد 40 عامًا، تقاعد معظم هؤلاء الأفراد ذوي الخبرة، وأخذوا معهم مهاراتهم وخبراتهم. 

في تلك الحرب، يلفت هانت النظر إلى أن “القوات الجوية الإيرانية نفذت عددًا من الضربات في العمق العراقي وضربت البنية التحتية والمطارات العراقية”، مضيفاً “حتى حوالي عام 1987، تمتعت إيران بنجاح أكبر من العراق من حيث الحرب الجوية. ومع ذلك، أدى عدم القدرة على شراء قطع غيار أو طائرات جديدة إلى انخفاض قوة سلاح الجو خلال السنوات الأخيرة من الصراع وأصبحت عملياتها بشكل عام أكثر دفاعية”.

من جهته، يوضح الباحث في العلاقات الدولية في مركز “أتلانتيك كاونسل” البحثي سينا عضدي، أنه “خلال الحرب العراقية الإيرانية، استخدمت إيران قوتها الجوية بشكل أساسي لتزويد قواتها البرية بالغطاء القريب، والضربات العميقة خلف الخطوط العراقية لاستهداف البنية التحتية للعراق”، مشيراً إلى أنه “في الأيام الأولى من الحرب، لعبت القوات الجوية الإيرانية أيضًا دورًا مهمًا في إبطاء التقدم العراقي في الأراضي الإيرانية”.

ويعتبر عضدي أن “الصراع الذي دام 8 سنوات مع العراق، وعدم القدرة على الوصول إلى سوق الأسلحة لتجديد ترسانتها، أدى إلى افتقار إيران اليوم للتكنولوجيا المتطورة على صعيد سلاح الجو”.

خلال مناورات “فدائيو الولاية”، أعلنت القوات الإيرانية أن “قاذفاتها تمكنت من تدمير أهداف افتراضية للأعداء”. في هذا السياق، يرى هانت أنه “على الرغم من الصور الإعلامية  للهجمات على هدف وهمي لحاملة طائرات، فمن غير المرجح أن تتطابق جاهزية الطاقم وأفراد الدفاع الجوي مع خصوم محتملين”.

من جهته، يعتبر عضدي أن “مشكلة القوات الجوية الإيرانية تكمن في عدم توفر المعدات العسكرية الحديثة”، مشيراً إلى أن “طهران كانت تمتلك قوة جوية رائعة مع أحدث الطائرات المقاتلة، لكن جيران إيران يعملون بفاعلية أكبر في سوق الأسلحة ويبحثون عن الطائرات المقاتلة الأكثر تقدمًا وهو ما لا يمكن لإيران القيام به بسبب العقوبات”، مضيفاً “هذا لا يعني أنها ليست قوة فعالة، لكنها لن تكون قادرة على تحمل حملة مطولة بسبب عدم توفر قطع الغيار والبدائل”.

ما بعد رفع الحظر التسليحي عن إيران

في 18 تشرين الأول/أكتوبر رُفع الحظر التسليحي عن إيران، بموجب القرار 2231 الصادر عن مجلس الامن الدولي. ومنذ الساعة الأولى لبدء سريان هذا القرار، بدأ المسؤولون الإيرانيون بالإعلان عن نيتهم بيع وشراء الأسلحة. وتُعتبر الصين وروسيا، الوجهتين الأساسيتين المتوقعتين لإيران لتطوير قطعها العسكرية.

ويرى عضدي أن “إيران ستكون بالتأكيد مهتمة بتجديد أسطولها القديم من سلاح الجو، إلا أن هذه الرغبة ستواجه مشكلتين، الأولى هي تكاليف الطائرات المقاتلة باهظة الثمن. على سبيل المثال، يبلغ سعر طائرات SU-30M الروسية التي أبدت إيران اهتمامها بها 30 مليون دولار أميركي لكل واحدة. ستحتاج إيران إلى إنفاق الكثير من الأموال لإنشاء قوة جوية هائلة. ثانيًا، عدم رغبة الموردين الأجانب في بيع أنظمة الأسلحة هذه إلى إيران، خاصة في ظل المعارضة الأميركية”.

قبل رفع الحظر المفروض على إيران، ترددت أنباء على نطاق واسع عن إجراء محادثات إيرانية مع روسيا والصين بشأن طائرات قتالية ودعم قتالي جديد إلى جانب الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي والأسلحة. يرى الخبير البريطاني أن “هاتين الدولتين هما الأكثر احتمالاً لتقديم الطائرات المقاتلة، مع وجود طائرة JF-17 الصينية كمرشح واضح إلى جانب الإصدارات الحديثة من سلسلة MiG-29 و Su-30 الروسية”، مشيراً إلى أنه “على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الحالية التي تواجهها إيران، من المحتمل أن يكون هناك شكل من الترتيبات التي يمكن أن تغطي علاقات وتجارة أوسع بدلاً من الدفع المباشر قصير الأجل”.

ويؤكد هانت أنه “من أجل تقديم ردع متماسك، ستحتاج القوات الجوية الإيرانية إلى حوالي 100 مقاتلة جديدة”، مشيراً إلى أنه “إذا بقيت المنطقة في سلام خلال السنوات الخمس المقبلة، فمن المحتمل جدًا أن تبدأ عملية إعادة رسملة قواتها الجوية بأنواع غير أميركية”.

دور الطائرات المسيّرة

يعود تاريخ استخدام الطائرات المسيَّرة في إيران إلى ما قبل ثورة عام 1979، حيث استُخدمت في جيش الشاه، بهدف اختبار فاعلية صواريخ أرض – جو، والمضادات الجوية لمدفعية سفن القوات البحرية، وكذلك من أجل اختبار صواريخ جو – جو لطائرات القوات الجوية الإيرانية.

لكن بعد انتصار ثورة عام 1979، وفي إبّان الحرب العراقية الإيرانية، استُخدمت الطائرات المسيَّرة لأول مرة لتنفيذ مهمات تجسسية كتحديد مواقع القوات العراقية والحصول على معلومات عن تمركز وتحرك تلك القوات. واليوم، باتت إيران تمتلك إحدى أحدث الطائرات من دون طيار، والمصنوعة داخل إيران. وفي 5 كانون الثاني/يناير 2021، استعرض الجيش الإيراني أسطوله من الطائرات المسيرة، في مناورة شاركت فيها القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي.

على الرغم من عدم وضوح مدى تطور هذه الطائرات، فمن المؤكد، حسب هانت، أنها استخدمت مرارًا وتكرارًا لتوليد معلومات استخبارية للقادة الإيرانيين في المعارك خصوصاً في سوريا، مشيراً إلى أنه “يبدو أن هذه الطائرات بدون طيار المحلية كانت أكثر نجاحًا من الجهود قصيرة الأمد لبناء مقاتلات كمقاتلة الصاعقة (آذرخس) التي كانت محاولة لتقليد المقاتلةF-5  الأميركية، والتي كانت محط سخرية من كافة الخبراء العسكريين”.

ويشير هانت إلى أن “إيران اليوم تمتلك أسطولاً متنوعاً من الطائرات من دون طيار، يمكن مقارنتها بشكل واضح مع طائرات Predators الأميركية، كما تمتلك إيران، وتحديداً الحرس الثوري الإيراني، العديد من المسيرات، والتي تم اختبارها بنجاح خلال المعارك في سوريا”.

فعالية سلاح الجو

ترتكز التهديدات الإيرانية، في أغلب تصريحات المسؤولين، على القدرة الصاروخية عندها. وعندما أرادت الرد على اغتيال سليماني بداية العام الماضي، كانت الصواريخ الباليستية هي الحل لضرب قاعدة عين الأسد. إضافة إلى ذلك، تعتمد إيران على هذه الصواريخ لضرب المجموعات المسلحة “المناهضة للنظام” حسب تعبيرها، دون الاعتماد على سلاح الجو.

في ما يخص أي مواجهة مقبلة مع جيرانها، يرى عضدي أنه “يمكن لإيران الاعتماد على قوتها الجوية لخوض حرب قصيرة ضد خصومها الإقليميين. ومع ذلك، وبسبب نقص قطع الغيار، فإنها ستواجه وقتًا عصيبًا في حرب طويلة الأمد”، مضيفاً “يتعين على المرء أن يضع في اعتباره أن جيران إيران يمكنهم بسرعة تجديد مخزونهم من الطائرات وقطع الغيار، في حين أن إيران ستواجه صعوبة أكبر بكثير”.

ويشير عضدي إلى أن “الطائرات بدون طيار هي بالتأكيد طريقة جديدة للقتال، وقد استثمرت إيران فيها خصوصاً في سوريا. لكن يبدو لي أن إيران عدلت أسلوبها في القتال من خلال الاعتماد بشكل أساسي على الصواريخ الباليستية لتعويض أسطولها الجوي القديم. ويمكن لهذه الصواريخ أن توفر رادعًا قويًا ضد الخصوم المحتملين”.

من جهته، يعتبر هانت أنه “في أي حرب تقليدية في الخليج، ستوفر الطائرات بدون طيار معلومات إضافية للقيادة بالإضافة إلى إمكانية القيام ببعض عمليات القصف، ولكن بشكل عام أداؤها محدود”، مؤكداً أنه “في مواجهة القوة الجوية المعادية الحديثة، من المحتمل أن يتم تدمير هذه الطائرات في أول أيام الحرب”.

في المحصلة، يبدو أن السلاح الجوي الإيراني غير مجهز بشكل جيد للدخول في صراع طويل الأمد مع أي دولة في المنطقة. تمتلك جميع دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل طائرات وأسلحة أكثر تطوراً، إضافة لقواعد بيانات استخباراتية، يمنحها التفوق الإستراتيجي على إيران.  يمكن تفسير عدم رغبة إيران في التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي، لأنه يشكل حاليًا العمود الفقري لاستراتيجية الدفاع الإيرانية. وسيكون تحديث التدريب والعقيدة وأنظمة القيادة والتحكم جنبًا إلى جنب مع الطائرات الجديدة عملية طويلة ومكلفة.

ستؤيد إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، على ما يبدو، العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فقد يتم تزويد سلاح الجو الإيراني بفرصة التحديث. على الرغم من أن خيارات ايران لا تزال محدودة بسبب العزلة العامة عن العديد من أسواق السلاح، مع الإشارة ألى أن إزالة العقوبات الإقتصادية ستحرر ميزانية المشتريات على الأرجح من الصين وروسيا. بالإضافة إلى ذلك، هناك سوق قوي للطائرات العسكرية المستعملة التي يمكن لإيران الاستفادة منها، لا سيما في مجال التدريب وطائرات النقل لدعم أي أسطول قتالي جديد. 

لذلك، من المرجح أن تظل القوات الجوية الإيرانية الحالية وقدراتها دون تغيير نسبيًا قبل منتصف عام 2021 على الأقل، وستبقى الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيّار هي أساس القوة الدفاعية لطهران.