انتهت الحرب، لكن مَن يهتم بحضور “مؤتمر مانحين” في اليمن؟

يمثل الخميس 9 أبريل/ نيسان 2020 يوم ميلاد جديد في اليمن، مع اعلان التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات وقف إطلاق النار استجابة لمطلب الأمم المتحدة، وهو ما تجاوبت معه جماعة الجوثيين، وكانت وسائل الإعلام قد نشرت مؤخرًا أن الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار أتى ليشمل “الحوثيين” والحكومة الشرعية والتحالف السعودي الإماراتي.

بلا شك، يصب التوصل إلى هذا القرار في صالح الشعب اليمني، ويحتاج إلى المزيد من الحوار بين أطراف النزاع باليمن، لينهي مأساة المجتمع اليمني، الذي عاش حربًا على مدى ما يزيد عن خمس سنوات، كبدتهُ الكثير من الخسائر البشرية، وتدمير البنية التحتية، وسمحت لأن يكون اليمن ساحة للصراع بين السعودية والإمارات من جهة، وإيران من جهة أخرى.

أحداث التاريخ تكرر نفسها، حين شهدت المنطقة أزمة الخليج الأولى (الحرب بين إيران والعراق – 1980/ 1990) انتهت الحرب بوقف إطلاق النار بين الطرفين وكانت كلمة قائد الثورة في إيران روح الله الخميني “مضطرين لأن نتجرع السم أولًا” مجسدة للخسائر التي تكبدها الطرفان آنذاك، حيث استنزفت تلك الحرب ثروات البلدين النفطيين، فضلًا عن ثروات بعض دول الخليج التي ساندت نظام الرئيس العراقي صدام حسين في ذلك الوقت.

اليوم، يبدو أن ما دفع بأطراف الحرب في اليمن إلى “تجرع السم” وقبول الحل السياسي وانهاء الحرب في بلد يعد من الدول الأشد فقرًا في العالم، هي الأسباب ذاتها، لم يعد في مقدور السعودية وإيران استكمال تلك الحرب في ظل أزمة تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، والخسائر الناجمة عن ذلك منذ يوليو 2014.

التداعيات السلبية لأزمة  وباء كورونا وسيناريوهاتها المفتوحة كان لها دورها أيضًا. ينصرف أطراف الصراع في اليمن، وبخاصة السعودية وإيران عن ملهاة الحرب التي خلفت خسائر فادحة فضلًا عن إزهاق أرواح الآلاف من اليمنيين، وتهجير أعداد مماثلة. كذلك تعرضت السعودية لخسائر بشرية فادحة، وتهديد أمنها القومي في العمق، كذلك هو الحال في الإمارات وإن كان بقدر أقل مما حدث في السعودية.

وإن كان اليمن يعد من الدول ذات الطاقة المحدودة من حيث إنتاج وصادرات النفط، إلا أن توقف الحرب سيكون من الأسباب المهمة، التي تساعد على استعادة مؤسسات النفط اليمنية لإعادة نشاطها، وإن لم يكن عودة حصتها المحدودة من التصدير، فسيكون ذلك ضروري، لتلبية الاحتياجات الذاتية في اليمن، بخاصة إذا ما بدأت مشروعات إعادة الإعمار مبكرًا.

المستفيدون من وقف الحرب

إذا ما كللت الجهود المُعلن عنها بالوصول إلى اتفاق يٌنهي الحرب اليمنية، ما يمهد إلى عودة وحدة الدولة اليمنية وممارسة الحياة السياسية والاجتماعية في مسارها الطبيعي تدريجياً، سيكون ذلك هو الخيار الصحيح لكل الأطراف الإقليمية المتنازعة، فالسعودية وإيران، أحوج ما يكون الآن لتوجيه قدراتها المالية إلى التحديات التي تعصف بالمنطقة والعالم.

تعد إيران واحدة من أكبر الدول معاناة مع وباء كورونا، ما دعاها لإنتقاد صندوق النقد الدولي لتأخره في الاستجابة لطلبها قرضًا من الصندوق بقيمة 5  مليارات دولار. كما تواجه السعودية واحدة من أسوأ صور توقف النشاط الاقتصادي على كافة الأنشطة، فضلًا عن سوء إداراتها لموردها الاقتصادي الأهم (النفط) عبر دخولها في حرب أسعار النفط، تشير كافة الدلائل على أنها هي الخاسر الأكبر فيها.

ورغم أن كل من إيران والسعودية والإمارات على رأس المستفيدين من وقف الحرب في اليمن، إلا أنهم معنيين بالمساهمة والدعم وتصدر القوى المانحة لليمن، خاصة في تبني حملة لإعادة الإعمار. بالإمكان أن توجه كل من السعودية والإمارات جزءًا مما كانتا تنفقانه على الحرب اليمنية كمساعدات لإعادة الإعمار في اليمن، الذي سيكون في حاجة ماسة لإستعادة أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية التي كان عليها قبل بداية الحرب في مارس 2015م. كذلك هي إيران، قد يكون توجيه ثلث ما كانت تنفقه على تمويل الحوثيين للحرب باليمن، كفيل بإحداث تطور ملموس في مشروعات إعادة الإعمار. 

الأمر الأكثر أهمية وإلحاحًا الآن، هو ما يعانيه اليمن، من ضرورة مواجهة أزمة كورونا في بلد فقير يفتقد لكافة المقومات الصحية والاقتصادية. فضلًا عن المخاوف المستمرة من حدوث مجاعة في اليمن بسبب قرب نفاد الوديعة السعودية بالبنك المركزي التي تقدر بنحو ملياري دولار. يبدو من الصعب في ظل تدهور أسعار النفط في أن تجدد السعودية وديعتها مرة أخرى، كذلك ستؤثر أوضاع اليمنيين في الخارج ووقوعهم تحت طائلة الحجر في البلدان التي يعيشون فيها إلى عجزهم عن مساعدة ذويهم في اليمن.

مؤتمر مانحين

يبدو من الضروري أن يواكب، أو يسبق مفاوضات استمرار وقف اطلاق النار والدخول في تسوية لإنهاء الحرب بشكل مباشر، بدء مهام إعادة الإعمار في اليمن، ولن يكون ذلك ممكنًا في ظل افتقاد اليمن لمقومات القيام بهذا العمل من حيث التمويل. ولذلك، تبدو الدعوة لعقد “مؤتمر مانحين” لليمن ضرورية في أقرب فرصة وبمشاركة واسعة دوليًا وإقليميًا، حيث من المفترض أن يركز المؤتمر عل  تأمين احتياجات اليمن من الغذاء، استعادة مؤسسات الدولة القدرة على ممارسة دورها والبدء في إعادة بناء البنية الأساسية التي تم تدميرها في الحرب.

المؤسف فعلاً هو أن مؤتمر المانحين قد يواجه بعض المعوقات في هذا الوقت بسبب انشغال الكثير من الدول والمؤسسات الدولية بالتداعيات السلبية لجائحة كورونا، فضلًا عن المؤشرات الاقتصادية السلبية التي تخيم على أسواق المال، وتوقف حركة النشاط الاقتصادي في العديد من البلدان.

عربياً، تنحصر المساعدات الإنمائية العربية التي يمكن أن يعول عليها في إعادة الإعمار في اليمن على صناديق التنمية والتمويل بدول الخليج. وهي الدول التي أرهقتها بشكل كبير، تداعيات انهيار أسعار النفط، وبخاصة في مطلع مارس 2020.

حتى لا نسهب في حالة من التفاؤل، قد تفسدها تصرفات بعض الأطراف، يظل أمر وقف إطلاق النار في بدايته، وتوقع الوصول لوقف الحرب بشكل نهائي يحتاج إلى المزيد من الدعم، الإقليمي والدولي. 

منشورات أخرى للكاتب