عدوى “كورونا” تُلاحق الاحتياطيات المالية والصناديق السيادية لدول الخليج

تتراكم المشكلات المالية على دول الخليج خلال الفترة الماضية، إلا أن أكثرها تأثيرًا على تلك الاقتصاديات، هو ما يحدث في سوق النفط، سواء فيما يتعلق بانهيار الأسعار أو السياسة الجديدة التي انتهجتها السعودية باتجاهها نحو حرب الأسعار التي أدت إلى وصول سعر برميل النفط دون الـ 25 دولار في السوق الدولية. تشير بعض التوقعات بأن السعر سيستقر عند 20 دولار للبرميل ولفترة طويلة.

وتتعدد الآثار الاقتصادية للوضع المالي السلبي الذي تعيشه اقتصاديات الخليج منذ أزمة انهيار النفط منتصف 2014م، ويزداد الوضع تعقيدًا مع التداعيات السلبية لأزمة فيروس كورونا، وتراجع الطلب على النفط في السوق الدولية. 

وفي خطوة توضح مدى تأثير الأزمة المالية في دول الخليج، قررت السعودية تخفيض مخصصات ميزانية 2020 بنحو 13 مليار دولار بما يقترب من نسبة 5% من إجمالي مخصصات الميزانية، مع وعد من محمد الجدعان وزير المالية السعودي بأنه “سيتم إعادة تقييم المستجدات ومراجعة بنود النفقات واتخاذ القرارات المناسبة في حينها”.

وكان صندوق النقد الدولي قد نشر توقعاته مؤخرًا، حول الاحتياطيات المالية لدول الخليج، وأنها ستتعرض للنفاد خلال 15 عامًا، ما لم تتخل هذا الدول عن سياسة الاعتماد على النفط. 

خلال هذه السطور، نحاول إلقاء الضوء على مستقبل أهم مكونين ماليين في دول الخليج، وهما الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وكذلك أرصدة الصناديق السيادية لأربعة دول خليجية، وهي (السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر).

أولًا: مستقبل الاحتياطيات الدولية

وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، كان رصيد الدول الأربع من احتياطيات النقد الأجنبي 51 مليار دولار في عام 2003، وكانت السعودية تمثل نحو 50% تقريبًا من هذا الرصيد، بنحو 24.5 مليار دولار، تليها الإمارات بنحو 15 مليار دولار.

ولكن مع الطفرة النفطية التي حدثت بعد هذا التاريخ، نجد أن هذه الاحتياطيات قفزت إلى 679 مليار دولار في عام 2018، وكانت السعودية هي صاحبة النصيب الأكبر بنحو 509 مليار دولار، ثم الإمارات بنحو 40.2 مليار دولار.

والجدير بالذكر أن احتياطيات السعودية من النقد الاجنبي ارتفعت إلى 744 مليار دولار بنهاية 2014 لكنها فقدت نحو 250 مليار دولار تقريبًا بنهاية 2018.

وفي ضوء تراجع الأسعار في أسواق النفط الدولية مقارنة بما كنت عليه في 2003، يتوقع أن تشهد احتياطيات النقد الاجنبي بدول الخليج تراجعًا ملحوظًا، وبخاصة أن الأسعار الحالية لبرميل النفط، أقل بكثير مما هو مقدر في مستهدفات ميزانيات 2020.

 صندوق النقد الدولي قدر سعر التعادل بالميزانيات الخليجية في 2020 عند 86 دولار للبرميل في السعودية، و70 دولار للبرميل في الإمارات، و54 دولار للبرميل في الكويت، و45 دولار للبرميل في قطر. وهو ما يعني أن ميزانيات الدول الأربع ستعاني كثيرًا، ولن يكون أمامها سوى تقليص النفقات بميزانية 2020 وما بعدها، بنسب تعادل التراجع في أسعار النفط، وهو أمر صعب، في ظل حتميات الإنفاق، مثل الرواتب، وشراء السلع والخدمات والإنفاق على التسليح.

وفي حالة عدم الأخذ بسيناريو تقليص النفقات، فستجد دول الخليج نفسها مضطرة إلى اللجوء للسحب من احتياطياتها النقدية، لتغطية التزامات 2020 وما بعدها. وهو ما يعني أن الاحتياطيات النقدية لن تصمد طويلًا، وسيتحقق توقع صندوق النقد بنفادها في مدى زمني أسرع لن يتجاوز 5 سنوات، إذا ما ظلت أسعار النفط عن الأسعار الحالية المتدنية.

ثانيًا: مستقبل أرصدة الصناديق السيادية

 التقويم السنوي الذي يصدره معهد دراسات صناديق الثروة السيادية، يبين أن ثروة الدول الخليجية الأربع (السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر) كانت بحدود 2.24 تريليون دولار في نوفمبر 2014، ولكن بعد مضي 5 سنوات في نوفمبر 2019، تراجعت ثروة هذه الصناديق إلى 1.93 تريليون دولار، بتراجع قدره نحو 31 مليار دولار، وبنسبة تبلغ 13%، ولكن الصورة الإجمالية، تختلف لأداء كل دولة على حدة.

حيث نجد أن صندوق أبو ظبي والذي يعتبر أكبر الصناديق السيادية العربية، تراجع في 2019 إلى 696 مليار دولار مقارنة بـ 733 مليار دولار. أما الكويت فلم يتغير موقفها، وبقي رصيد صندوقها السيادي كما هو عند 592 مليار دولار.

 بينما السعودية كانت صاحبة أكبر تغيير سلبي في رصيد صندوقها السيادي، حيث تراجع من 668 مليار دولار في 2014 إلى 320 مليار دولار في 2019. وكانت قطر صاحبة التطور الإيجابي من بين الدول الأربع، من حيث رصيد صندوقها السيادي خلال الفترة، حيث بلغ في 2019 نحو 328 مليار دولار، مقابل 256 مليار دولار في 2014.

ولكن في ظل تداعيات أزمتي كورونا وحرب أسعار النفط في السوق الدولية، سنكون أمام أداء مختلف لرصيد هذه الصناديق، وبخاصة في نهاية 2020، حيث إنهارت كل أسواق المال في العالم، وهي تستحوذ على نسبة لا بأس بها من استثمارات هذه الصناديق.

وعلى الجانب الأخر، فإن السياسة النقدية لكل من أمريكا وأوروبا، وكذلك الدول الأسيوية، قد خفضت من أسعار الفائدة على الودائع البنكية الموجودة لديها، وهي أيضًا تشكل جزءًا مهمًا من استثمارات هذه الصناديق. وبالتالي ستمنى هذه الصناديق بخسائر على صعيدين، الأول من حيث قيمتها السوقية، والثاني من حيث العائد على استثماراتها.

وإذا كانت النتائج العامة لأداء الصناديق السيادية على مستوى العالم، قد حققت عائدًا بنحو 10% بنهاية 2019، فإن المحصلة الإجمالية المتوقع لهذه الصناديق، ومن بينها الصناديق الخليجية، سوف تسفر عن خسائر بنهاية 2020، كما أسفرت نتائج أعمال المؤسسات المالية عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

وإذا ما كانت نتائج أداء الفترة من 2014 – 2019 لهذه الصناديق، أسفر عن محافظة الكويت على رصيدها، وشهد صندوق قطر زيادة ملحوظة، فإن المتوقع خلال الفترة القادمة، أن تتراجع أرصدة جميع أرصدة صناديق الدول الأربع، لعدة أسباب منها توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية لهذه الدول بسبب أزمة كورونا.

 والثاني أن معدل انخفاض  أسعار النفط بالسوق الدولية، من الصعب تعويضه، أو تدبير بديل آخر في الأجلين القصير والمتوسط، وبالتالي ستتراجع أرصدة الصناديق السيادية للدول الأربع، وإن كانت السعودية والإمارات ستكونان صاحبتا التراجع الأكبر، لما ذكرناه من قبل من أن ميزانيتهما تحتاجان إلى أسعار تعادلية عند 86 دولار و70 دولار لبرميل النفط، وهو المستحيل تحقيقه في الأجلين القصير والمتوسط. 

ختامًا: ليست هذه السطور مجرد رؤية تشاؤمية، ولكنها تأخذ الواقع في الاعتبار عن قراءة المستقبل، من حيث الإدارة الاقتصادية الخليجية، والتي تسير عكس ما يتطلبه الخروج من الأزمة، والملاحظة التي ترصدها كافة التقارير والدراسات المعنية بأوضاع الخليج، أن هناك إصرار على إهمال هذه الإدارة لمسلمة أن اعتمادها الأول والأخير يدور حول عائدات النفط، وأن هذا العائد شديد التقلب، كما شهدناه على مدار فترات طويلة.

منشورات أخرى للكاتب