كورونا: ميزانية سلطنة عُمان تحت الضغط
يمثل وباء كورونا خطراً كبيراً على الاقتصاد العُماني بسبب هبوط أسعار النفط وما يترتب عليه من انخفاض الإيرادات العامة. أضف إلى ذلك أن النمو يعتمد اعتماداً أساسياً على الصادرات النفطية. كما تحتل الصين المرتبة الأولى في الصادرات النفطية العُمانية 83% من نفط عُمان يُصدر إلى الصين. وعليه، يتعين وبسرعة إيجاد مستوردين آخرين وهو أمر غير هين بسبب التخمة النفطية في السوق العالمية.
ما هو إذن حجم الأزمة من الزاوية المالية وما هي إمكانات التصدي لها؟
هبوط الإيرادات النفطية
في ميزانية عام 2020 قدرت إيرادات النفط والغاز بمبلغ 7700 مليون ريال أي حوالي عشرين مليار دولار. في حين قدرت الإيرادات المعتمدة في العام الماضي بمبلغ 7445 مليون ريال. وهكذا تم تنظيم الميزانية بزيادة في الإيرادات النفطية والغازية بقيمة 255 مليون ريال. وفي الحالتين احتسب الإيراد بالاعتماد على سعر قدره 58 دولاراً لبرميل النفط. أما عجز الميزانية للعام الجاري فقد بلغ 2500 مليون ريال.
وعند العودة إلى تقرير صندوق النقد الدولي (مشاورات المادة الرابعة لعام 2019) نلاحظ أن توقعات الصندوق لإيرادات عُمان من النفط والغاز تصل إلى 24.7 مليار دولار. منها 22 مليار دولار من النفط لأن خبراء الصندوق اعتمدوا على سعر قدره 60.5 دولاراً للبرميل.
وبسبب كورونا هبطت مشتريات الصين (أكبر مستورد للنفط في العالم) كما انخفض الطلب في جميع البلدان بسبب تباطؤ الأنشطة الاقتصادية. وهكذا انخفض بشدة سعر الخام.
لمعالجة هذه الأزمة كانت غالبية أقطار أوبك + بما فيها بلدن الخليج مصرة على تقليص الإنتاج. في حين اتخذت روسيا موقفا معارضاً لأسباب ترتبط بماليتها. الأمر الذي أدى إلى تغيير موقف السعودية التي قررت زيادة الإنتاج بل “إغراق السوق”. قاد هذا الموقف إلى تدهور السعر حتى وصل برميل برنت إلى 34 دولاراً في منتصف مارس/آذار 2020. هبطت إذن الإيرادات النفطية لجميع الدول المصدرة للخام بما فيها عُمان.
وفق حسابات الميزانية العُمانية الحالية تصدر الدولة 675 ألف ب/ي بسعر 58 دولاراً للبرميل. فيكون المجموع 14.3 مليار دولار. وعلى إثر كورونا ستهبط الإيرادات النفطية إلى 8.3 مليار دولار. أي بانخفاض قدره 42%. ولكن الميزانية سوف لن تحصل حتى على هذا المبلغ لسببين:
السبب الأول: ينطلق حساب 8.3 مليار دولار من سعر برنت (34 دولاراً للبرميل × 675 ألف ب/ي × عدد أيام السنة). في حين يختلف نفط عُمان عن برنت من زاويتين. الزاوية الأولى أن كثافة مزيج برنت 38 درجة في حين أن كثافة نفط عُمان 34 درجة. والزاوية الثانية والأهم أن نسبة الكبريت في برنت 0.3% في حين تصل نسبته في نفط عُمان إلى 2%. لذلك فأن سعر نفط عُمان أقل من 34 دولاراً للبرميل حاليًا.
السبب الثاني أن حسابات الميزانية لإيرادات النفط إجمالية. على الدولة تحمل مصاريف عديدة ترتبط بالإنتاج للحصول على الدخل الصافي.
وعلى هذا الأساس فان الإيراد الصافي للنفط سوف لن يتجاوز ستة مليارات دولار في العام الجاري. أي بانخفاض قدره 58% مقارنة بالإيراد الإجمالي للميزانية.
لنتعرف على حجم الأزمة من زاوية أخرى. تعتمد الميزانية الحالية كما ذكرنا على سعر قدره 58 دولاراً للبرميل حتى تصل إلى عجز قدره 2500 مليون ريال. لحساب سعر البرميل الذي يحقق توازناً للميزانية وضعت المعادلة التالية: (مبلغ العجز المالي ÷ عدد البراميل المصدرة في السنة) + سعر البرميل المعتمد في الميزانية الحالية. فكانت النتيجة 84.5 دولارا. وهذا السعر يفوق بكثير ضعف سعر برنت الحالي. سيرتفع العجز المالي ارتفاعاً غير مسبوق. فتدخل مالية الدولة في أزمة خطيرة.
حصيلة الضرائب
من الأهداف المالية الرئيسة زيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية في الإيرادات العامة الكلية. تمثل الضرائب القسط الأكبر من هذه الإيرادات غير النفطية. ففي عام 2020 قدرت حصيلتها بمبلغ 2450 مليون ريال. قياساً بالعام المنصرم ارتفعت بمبلغ 100 مليون ريال نتيجة إدخال الضريبة الانتقائية. كما نستنتج بأن هذه الحصيلة تمثل 22.8% من الإيرادات العامة الكلية. الأمر الذي يشير إلى أهمية الضرائب في المالية العامة.
ترى ما هو تأثير كورونا على الضرائب العُمانية؟ بكيفية عامة سيكون التأثير باتجاهين متعارضين:
الاتجاه الأول: بسبب الانخفاض الشديد للإيرادات النفطية لا تجد الدولة مفراً من الاعتماد على الضرائب باعتبارها أهم إيراد غير نفطي. وبالتالي يفترض أن ترتفع الحصيلة مقارنة بالمبلغ المعتمد في الميزانية الحالية.
الاتجاه الثاني: أن وباء كورونا لم يؤثر على الإيرادات النفطية فحسب بل كذلك على جميع الأنشطة المتعلقة بالإنتاج والاستهلاك. وهبوط هذه الأنشطة ينعكس بطبيعة الحال على حصيلة الضرائب ويفضي إلى انخفاضها.
1- الضريبة على القيمة المضافة. على خلاف غالبية دول مجلس التعاون لم تطبق عُمان هذه الضريبة لحد الآن. في حين نصت الاتفاقية الخليجية الموحدة المتعلقة بهذه الضريبة على استهداف عام 2018 كأول سنة لتطبيقها. وفي كل سنة يصرح المسؤولون بأنها ستنفذ في العام القادم. وهكذا تم تأجيلها ثلاث مرات وأصبحت حالياً السنة المستهدفة عام 2021.
ترى ما السبب الذي أدى إلى هذا التمادي في حين تعاني ميزانية الدولة من عجز مزمن؟
يعود السبب الأساس إلى ضعف معدل النمو وارتفاع البطالة. لأن هذه الضريبة التي تسري على الاستهلاك تفضي إلى هبوط الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية. الأمر الذي يؤثر سلبياً على النمو ولا يشجع بالتالي على التشغيل.
لكن ارتفاع العجز المالي لعام 2020 بسبب الانخفاض الحاد والمفاجئ لإيرادات النفط الناجم عن كورونا سيجعل الدولة مضطرة إلى الاعتماد قريباً على هذه الضريبة. أضف إلى ذلك إلحاح صندوق النقد الدولي على الحكومة بتبني هذه الضريبة. فقد أشار تقريره سابق الذكر إلى ضرورة التعجيل بتطبيق هذه الضريبة.
2- الضريبة على دخل الشركات. أجريت تعديلات جوهرية عليها بموجب المرسوم السلطاني رقم 9 الصادر في فبراير 2017. أصبح من اللازم التفرقة بين أربعة أسعار:
كقاعدة عامة تخضع الشركات لسعر قدره 15% بعد أن كان 12% قبل التعديلات. ولنفس الغرض المالي تم توسيع الوعاء ليشمل أنشطة أخرى كتصدير المنتجات الصناعية وخدمات المستشفيات الأهلية وكذلك التعليم الخاص والسياحة. أضف إلى ذلك إلغاء الحد الأدنى المعفى من الضريبة. فقد كانت الأرباح التي تقل عن ثلاثين ألف ريال في السنة معفاة من الضريبة. كما تقرر تقليص الإعفاءات الممنوحة لبعض الاستثمارات. فقد كانت قبل المرسوم المذكور تمنح لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد مرة أخرى. أما في الوقت الحاضر فقد أصبحت مقررة لمدة خمس سنوات غير قابلة للتمديد.
رغم هذه التعديلات لم تتحسن حصيلة الضريبة بالصورة المتوقعة. ويعود السبب إلى الركود الاقتصادي الذي يشهده البلد. وبالتالي فأن هذه التعديلات حالت دون هبوط حاد للحصيلة المالية. ولكن سيلعب وباء كورونا دوراُ بارزاً في تقليص مبيعات جميع الشركات. الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى هبوط حجم الوعاء الخاضع للضريبة فتنخفض حصيلتها.
أما الشركات الصغيرة فتخضع لسعر قدره 3%. وأما الشركات التي تحصل على الأرباح من الأسهم والفوائد فتخضع لسعر قدره 10%. وستهبط الحصيلة من هذه الشركات نتيجة الانخفاض الحاد الذي تشهده سوق الأوراق المالية نتيجة كورونا.
وهنالك سعر رابع قدره 55% يقتصر على الشركات النفطية. وستنخفض أيضاً الحصيلة بسبب الوباء.
من الناحية المالية تعد الضريبة على دخل الشركات أهم الضرائب والرسوم في الدولة. ففي عام 2019 بلغت حصيلتها 500 مليون ريال أي 4.9% من الإيرادات الكلية و 34.4% من الإيرادات الضريبية. وعلى هذا الأساس يلعب الفيروس دوراً كبيراً في تقليص الإيرادات الضريبية.
3- الرسوم على العمال الأجانب. بلغت حصيلة الرسوم المفروضة على استقدام العمال الأجانب 287 مليون ريال.أي أنها تقع في المرتبة الثانية بعد الضريبة على الشركات. وتجد الإشارة إلى انخفاض هذه الحصيلة في عام 2019 بمقدار 23 مليون ريال مقارنة بالعام السابق نتيجة السياسة الرامية إلى تقليص عدد العمال الأجانب. كما يحد كورونا من انتقال الأشخاص وما يترتب عليه من انخفاض حصيلة هذه الرسوم في العام الجاري 2020.
4- الرسوم الجمركية. تفرض عُمان التعريفة الجمركية الموحدة لدول مجلس التعاون التي تسري على السلع المستوردة غير الخليجية. وسعرها العام 5%. وتبلغ حصيلتها 250 مليون ريال. وهي بالتالي تحتل المرتبة المالية الثالثة. بيد أن تباطؤ الأنشطة الاقتصادية المختلفة بسبب كورونا يفضي إلى تراجع التبادل التجاري فتنخفض حصيلة الرسوم الجمركية.
5- الضريبة الانتقائية. تسري على السلع الضارة بصحة الإنسان وهي مشروبات الطاقة والمشروبات الكحولية والتبغ ولحوم الخنزير. وتفرض بسعر 100% على كل منها. وأما المشروبات الغازية فتخضع لسعر 50%. بدأ العمل بهذه الضريبة اعتباراً من يونيو من عام 2019. ويتوقع أن تصل حصيلتها إلى 100 مليون ريال في العام الجاري. وتجد الإشارة إلى أن سعر الضريبة على الكحول انخفض إلى 50% في ميزانية عام 2020. وقد يعود إلى سعره الأصلي بسبب الأزمة المالية التي خلقها وباء كورونا.
إن لم تطبق الضريبة على القيمة المضافة سوف لن تحصل عُمان على الإيرادات الضريبية المتوقعة في ميزانية هذا العام وقدرها 2450 مليون ريال. إذ سيحول وباء كورونا دون تنمية الدخول والاستهلاك. عندئذ لابد من تقليص الإنفاق العام.
النفقات العامة
بسبب العجز المالي الهائل الذي يصيب ميزانية الدولة نتيجة كورونا وبالنظر لصعوبة زيادة الحصيلة الضريبية بات من اللازم تقليص المصروفات العامة. ولكن سيقود هذا الإجراء إلى نتائج اقتصادية وخيمة. علماً بان فاعليته محدودة نظراً لصعوبة تخفيض القسط الأكبر من الإنفاق العام.
1- نفقات الوزارات المدنية. تتعلق بالدرجة الأولى بالمرتبات الممنوحة لموظفي الدولة. ولما كانت هذه المصروفات من الأولويات يصبح من الصعب تقليصها. إذ تفضل السلطات العامة الاقتراض لدفع هذه المرتبات. تبلغ هذه المصروفات 4590 مليون ريال أي ثلث المصروفات الكلية للميزانية.
2- مصروفات الأمن والدفاع. 3450 مليون ريال أي اكثر من ربع النفقات العامة. لذلك تعد عُمان نسبياً من الدول الأكثر إنفاقا في العالم. ولما كانت الدولة ترفض تقليص النفقات المدنية فأنها من باب أولى غير مستعدة لتقليص النفقات العسكرية.
3- مصروفات إنتاج النفط والغاز. 2230 مليون ريال وهي ضرورية للحصول على الإيرادات. وبالتالي سوف لن تنخفض رغم كورونا.
4- النفقات الاستثمارية. وقدرها 1300 مليون ريال. سوف تضطر عُمان إلى تأجيل التنمية بسبب كورونا. ويترتب على ذلك هبوط حاد لهذه النفقات. وستقوم جميع دول الخليج بهذا الإجراء.
5- مصرفات الدعم. 755 مليون ريال مخصصة لتعضيد أسعار بعض الخدمات لا سيما الكهرباء. ستهبط هذه النفقات فترتفع الأسعار.
وعلى هذا الأساس إذا قررت الدولة تأجيل جميع المشاريع الإنمائية وكذلك إلغاء جميع أشكال الدعم فسوف تقتصد أموالاً قدرها 2055 مليون ريال. وسيكون هذا المبلغ كافياً لتغطية القسط الأكبر من العجز المالي الناجم عن كورونا. ولكن هذا الاستنتاج يفترض أن لا يستمر سعر النفط بالتدهور مجددا. وهذا افتراض غير أكيد. كما انه غير ممكن من الناحية العملية لأن هذا الوباء يستوجب رصد مبالغ كبيرة ترتبط بالرعاية الصحية.
سيقود وباء كورونا إلى أزمة مالية خطيرة في جميع دول الخليج خاصة في البلدان ذات الإمكانات الاقتصادية الضعيفة كعُمان. سيزداد العجز المالي وترتفع الأسعار وينخفض الاحتياطي النقدي وتتصاعد الديون الخارجية ويهبط مستوى معيشة المواطنين. وكلما طالت فترة الوباء ازداد تعقد الأزمة.