الميزانية السعودية 2020: بين مخاوف المخطط ومتغيرات الواقع

قدرت عائدات النفط في الميزانية السعودية لعام 2020م بنحو 513 مليار ريال (136.8 مليار دولار) بما يمثل نسبة 61.5% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة التي قدرت بنحو 833 مليار ريال. وجاء هذا التقدير الحَذِر من قبل صانع السياسة المالية في تقدير الإيرادات والنفقات العامة خلال 2020 مُسببًا، بما ذكره بيان الميزانية لوزارة المالية السعودية، من الدواعي السلبية للحرب التجارية في السوق الدولية، والأحوال المضطربة للطلب على النفط في السوق الدولية.

مؤخرًا، وبعد صدور بيان الميزانية السعودية، أُعلن عن اتفاق أولي بين الصين وأمريكا فيما يتعلق بإنهاء خلافهما التجاري الذي ألقى بظلال سيئة على التجارة الدولية، بل والاقتصاد العالمي، من تراجع معدلات النمو الاقتصادي على مدار العام الماضي.

وانتهاء الخلاف التجاري بين أمريكا والصين، سوف ينتج عنه تحسن في توقعات أداء النمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي زيادة الطلب على النفط، وتحريك الأسعار بشكل إيجابي، ولو بتجاوز سقف 65 دولار للبرميل، خلال عام 2020، مما يخفف من أعباء الموازنة السعودية ويقلص من قيمة العجز، وإن كانت تقديرات صندوق النقد الدولي تذهب إلى أن سعر تعادل الميزانية السعودية عند سعر 70 دولار لبرميل النفط.

 والأمر الثاني الذي يعد مؤشرًا إيجابيًا بشأن الوضع الاقتصادي السعودي هو ما صرح به محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري، بوجود تقدم طفيف بشأن المصالحة الخليجية، وهو ما يعني أن الأزمة الخليجية قد تنقشع في الأجل القصير، وهو بحدود عام تقريبًا، وهو ما يعني تخفف دول الخليج من التبعات الاقتصادية التي تكلفتها اقتصاديات هذه الدول على مدار عامين نصف. 

ولعل هذا السيناريو المتفائل بالوصول لحل للأزمة الخليجية في 2020، هو ما دفع صانع السياسة المالية بالسعودية لتخفيض قيمة الإنفاق على الدفاع والنشاط العسكري بنحو 16 مليار ريال عما تم اعتماده في عام 2019م. يبقى أن التطورات الأخيرة بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني قد تتسبب في اعادة لكامل الحسابات فيما يتعلق بموزانات الدفاع من جهة، وارتفاع أسعار النفط من جهة أخرى.

وإذا ما كانت تقديرات بيان ميزانية 2020 بالسعودية تتوقع أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي إلى 2.3%، مقارنة بـ 0.4% خلال عام 2019، فقد يتمكن الاقتصاد السعودي من تحقيق المعدل الطموح للنمو عند 2.3%، إذا ما سارت الأمور بشكل إيجابي فيما يتعلق بانهاء الخلاف الأمريكي الصيني حول الرسوم الجمركية، وكذلك اتخاذ خطوات إيجابية جادة في إنهاء الأزمة الخليجية.

وكذلك أعلنت الهيئة العامة للإحصاء بالسعودية عن انخفاض معدل البطالة في الربع الثالث من عام 2019 إلى 12%، متراجعًا بنسبة 0.3% عما كان عليه الوضع في الربع الثاني من نفس العام. وقد يكون هذا الأمر ناتجًا عن التغير الإيجابي بمعدل النمو الاقتصادي، من سالب 1.7% في عام 2018 إلى 0.4% بنهاية 2019. ونتيجة كذلك لسياسة سعودة الوظائف التي نالت قطاعات هامشية بسوق العمل، مثل مبيعات التجزئة أو الاستغناء عن بعض السائقين الأجانب، الذين حل محلهم بعض السيدات اللائي سُمح لهن مؤخرًا بقيادة السيارات، سواء للسيارات الخاصة أو الأجرة.  

وعلى الرغم من اتمام بيع 1.7% من أسهم شركة أرامكو بالبورصة، وتحصيل نحو 29.4 مليار دولار، إلا أن الغلبة كانت لمستثمرين محليين، وهو ما يعني أن الاقتصاد السعودي لم يستفيد من ضخ أموال جديدة، سوى بنسبة محدودة قدرت بنسبة 23% للأجانب، وبما بعادل 6.7 مليار دولار.

انعكاس الميزانية على الاقتصاد السعودي في 2020

منذ عام 2014 والاقتصاد السعودي يشهد تراجعًا ملحوظًا في مؤشراته الكلية، انعكس سلبيًا على الأحوال المعيشية للمجتمع، وفي ضوء ما هو مدرج من أرقام، وكذلك ما هو معلن من سياسات مالية واقتصادية، يتوقع أن تستمر الأوضاع السلبية خلال عام 2020 بالاقتصاد السعودي.

إلا إذا أدت العوامل الإيجابية التي ذكرناها في بداية هذه السطور إلى تحسن في الإيرادات النفطية، وبالتالي إعطاء مساحات لصانع السياسة المالية بالتخفف من أعباء الاقتراض المحلي والدولي، أو ضخ أموال أكثر في مسارات استثمارية تؤدي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية، وتساعد بشكل حقيقي في تحقيق معدل النمو الاقتصادي المستهدف عند 2.3%. 

ولكن على ما يبدو أن السياسة المالية التوسعية من خلال التمويل بالديون لازالت تلقى تأييدًا لدى الحكومة السعودية، حيث صرح مسئول بوزارة المالية السعودية لرويترز في 11 ديسمبر الحالي، بأن بلاده سوف تطرح سندات دولية قريبًا، ربما في يناير، وذلك ضمن برنامج يستهدف ديون بنحو 32 مليار دولار خلال 2020 من السوقين المحلية والدولية.

ولذلك ذهبت تقديرات ميزانية 2020 إلى أن يرتفع الدين العام بنحو 76 مليار ريال، ليبلغ بنهاية 2020 لنحو 754 مليار ريال. 

وكان الرقم اللافت بالميزانية، أن مخصصات الضرائب قدرت في 2020 بنحو 200 مليار ريال، بانخفاض قدره نحو 3 مليارات ريال عما هو مقدر في 2019، وهو ما يعني أن عام 2020 لن يشهد فرض ضرائب جديدة بالمملكة.

وفي ضوء هذا الافتراض يمكن قبول ما ذكره بيان الميزانية من ثبات مخصصات تعويضات العاملين، حيث إنها جاءت بحدود 504 مليار ريال، وهو نفس الرقم المقدر بعام 2019، وهذا يلزمه أن يكون معدل التضخم صفر، حتى لا يضار العاملين بالدولة، بتخقيض القوة الشرائية لدخولهم بقدر معدل التضخم مهما كان ضئلًا. 

 ويمكن قراءة هذا الإجراء بشكل إيجابي حيث إنه يحاول التخفيف عن المستثمرين والمستهلكين بالاقتصاد المحلي، وعدم تحملهم بأعباء جديدة، ولكن يتخوف منه أيضًا فقد يكون مراعاة لحالة من الانكماش يتوقع أن يشهدها عام 2020، ولذلك لم يتم التفكير في فرض ضرائب جديدة، أو زيادة معدلات الضرائب الحالية.

أيضًا لوحظ أن مخصصات الإنفاق العام قد تم تخفيضها إلى 1020 مليار ريال (272 مليار دولار) وذلك بتراجع قيمتها بنحو 28 مليار ريال عن المقدر بميزانية 2019، وانعكس هذا التخفيض على باقي البنود الرئيسة للإنفاق العام.

هل الرهان على القطاع الخاص في محله؟

تعول ميزانية 2020 بشكل كبير على دور للقطاع الخاص، في حين أن الأجواء العامة بالمملكة، ومنذ محاكمات كبار رجال الأعمال بزعم ممارساتهم للفساد، واسترداد نحو 100 مليار دولار منهم، تعكس عدم شفافية الحياة الاقتصادية في السعودية. 

فضلًا عن الإجراءات التقشفية التي أدت إلى خروج رؤوس الأموال من السعودية، وإعراض مستثمري القطاع الخاص عن الدخول في مشروعات جديدة.

كما أن حرص الحكومة على نجاح الاكتتاب في أسهم أرامكو، وتقديم البنوك حوافز للأفراد للمساهمة في الاكتتاب من خلال القروض، من شأنه أن يشجع الأفراد بشكل كبير على ممارسة المضاربات والأنشطة الريعية التي هي أصل الداء في اقتصاد المملكة، كدولة أو نشاط أفراد.

ولايتوقع للاقتصاد السعودي، أن يشهد تقدمًا ملحوظًا عما كان عليه أداءه في عام 2019، فقد يكون التحسن خلال 2020 ببعض المؤشرات الاقتصادية، كما هو حادث في 2019 من تحول النمو لمعدل إيجابي، ولو بنسبة ضئيلة 0.4%، أو تحسن آخر بمعدلات البطالة، ولكن لن يشهد الاقتصاد السعودي خروجًا من أزمته التمويلية أو تحول جذري في هيلكله الاقتصادي، بسبب السياسات التنموية والاقتصادية المتبعة، والتي لا تراعي طبيعة الموارد الاقتصادية للمملكة، ولا الأجواء السياسية والأمنية التي تمر بها المملكة والمنطقة ككل. 

منشورات أخرى للكاتب