الإمارات تشارك مصر بمنصة استثمارية: الأهداف والتحديات
مثل نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نقلة نوعية في تلقي المساعدات والدعم من دول الخليج بشكل عام، ومن دولة الإمارات بشكل خاص، فمنذ يوليو 2013 تدفقت القروض والمساعدات الإماراتية إلى مصر، كما تذهب بعض الاستثمارات المباشرة من الإمارات لمصر، في شكل مشروعات جديدة، أو توسعة مشروعات قائمة.
وحسب ما نقلته وسائل إعلام مصرية (الأربعاء، 20 نوفمبر 2019)، قررت شركة موانئ دبي التي تدير موانئ السخنة بمصر، أن توسع استثماراتها بميناء السخنة، لترتفع من مليار دولار إلى 1.6 مليار دولار، وأن الشركة تخطط لإنشاء موانئ نهرية بمصر، وميناء على البحر المتوسط.
مؤخرًا أُعلن أيضاً عن منصة استثمارية مشتركة بين مصر والإمارات بقيمة 20 مليار دولار، تغطي قطاعات متعددة منها الصناعات التحويلية، والتكنولوجيا، والطاقة التقليدية والمتجددة، والخدمات المالية واللوجستية، والبنية التحتية، على أن تكون المنصة مشاركة بين صندوق مصر السيادي وشركة أبو ظبي التنموية القابضة.
وتمثل الإمارات شريكًا مرغوبًا لمصر في المنصة الاستثمارية المنتظرة، وغيرها من المشروعات، لما تتمتع به الإمارات من وضع مالي متميز من عوائد صادراتها النفطية، وكذلك صناديقها السيادية التي تدير نحو 1.5 تريليون من الاستثمارات الخارجية، بينما لا تزيد استثماراتها المباشرة المتراكمة في مصر عن 6.5 مليار دولار.
أدناه؛ نرصد مدى تطور الدعم الإماراتي لمصر خلال السنوات الست الماضية، وكيف تم التصرف فيه، وما هي الفوائد التي جنتها مصر من علاقاتها الاقتصادية مع الإمارات بشكل عام.
مساعدات للإنفاق الجاري
لم تكن مصر على خارطة المساعدات الإماراتية في عام 2012، حيث تضمن تقرير وزارة الخارجية بالإمارات الدول التي حظيت بمساعدتها في افريقيا وهي 10 دول، لم يكن من بينها مصر، ولكن خلال الفترة من 2013- 2016، أتت مصر على رأس الدول المستقبلة للمساعدات الإماراتية.
حيث تلقت مصر -وفق تقارير الخارجية الإماراتية- مساعدات انمائية من الإمارات بنحو 16.5 مليار دولار على مدار الفترة من 2013 – 2016، ولا يعني تصنيف هذه الأموال على أنها مساعدات، أنها لا ترد، ولكنها قروض ميسرة، من حيث سعر الفائدة، أو فترات السماح، أو طول أمد سداد القروض.
ويلاحظ من خلال التحليل لهيكل المساعدات الإماراتية لمصر خلال الفترة المشار إليها، أن غالبيتها ذهب في تمويل سلعي للحكومة، وبخاصة واردات مصر من النفط والغاز وكذلك دعم الموازنة العامة، ودعم احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي المصري.
ففي عام 2014، حصلت مصر على مساعدات إماراتية بقيمة 3.2 مليار دولار، مثلت المساعدات السلعية منها نسبة 58%، وفي عام 2015 كانت قيمة مساعدات الإمارات لمصر 6.3 مليار دولار، مثل دعم استيراد منتجات البترول نسبة 60%، ودعم لاحتياطي النقد الأجنبي بـ 30%، أما عام 2016 فكانت المساعدات الإماراتية لمصر قيمتها 2.4 مليار دولار، استحوذ دعم الميزانية العامة للدولة المصرية على نسبة 83% منها.
وعلى الرغم من أن الصورة الإجمالية تعطي انطباعًا صحيحًا بأن المساعدات ذهبت لتمويل الإنفاق الجاري، إلا أنه لوحظ أن مساعدات الإمارات ساهمت في بناء 100 مدرسة، والمساعدة في بناء 58 ألف وحدة سكانية لمحدودي الدخل، وأنشأت نحو 12 صومعة معدنية لتخزين الغلال.
وتكشف بيانات البنك المركزي المصري أن الإمارات أصبحت تحتل المرتبة الأولى للدول الدائنة لمصر بنحو 10 مليارات دولار، كما قبلت الإمارات طلب مصر بتأجيل الديون المستحقة عليها في 2018، على أن تحصل الإمارات على سعر فائدة على هذه الديون بمعدل 3.5%.
كما تبلغ استثمارات الإمارات المباشرة المتراكمة بعد 2013 نحو 6.5 مليار دولار، بينما كان تدفق الاستثمارات الإماراتية لمصر عام 2012 لا يتعدى 75 مليون دولار.
ويمكن القول أن المساعدات الإماراتية حققت بالفعل للنظام المصري استفادة لا يمكن إغفالها، لدعمه واستمراره في الحكم، ولكن على صعيد الاقتصاد، فثمة حاجة ملحة لمساعدات وقروض توجه لبناء قاعدة إنتاجية بمصر، تمكنها من معالجة جذرية لاقتصادها، لتكون مصر بالفعل قوة إقليمية تمارس دورها الذي يليق بها بعيدًا عن التبعية السياسية.
المنصة الجديدة
سوف تبين الأيام القادمة طبيعة المشروعات المنتظرة لمنصة الاستثمار المشتركة مع الإمارات، حيث بين التصريح الصحفي من الرئاسة المصرية القطاعات بشكل عام، ولم تسم كل من مصر أو الإمارات مشروعات على وجه التحديد.
وبقدر مساهمة مشروعات هذه المنصة في تقوية بنية الاقتصاد المصري، بقدر ما سيكون عائدها إيجابيًا على المجتمع، حيث لوحظ أن استثمارات الإمارات في مصر خلال الفترة الماضية تتركز في قطاع الخدمات المالية والصحية والعقارية، وهي استثمارات لا يستفيد منها الشرائح التي تقع في تصنيف الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
بينما يحتاج الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة، مشروعات إنتاجية في قطاعي الصناعة والزراعة، لكي تتخفف مصر من الاعتماد على الخارج، حيث إنها المستورد الأول لمحصول القمح على مستوى العالم، وكذلك قيامها باستيراد العدد والآلات ووسائل الانتقال، ومستلزمات الإنتاج.
وتعول مصر على هذه المنصة في توظيف صندوقها السيادي، حيث إن الصندوق سيكون رأسماله بشكل كبير يعتمد على الأصول المملوكة التي تنتقل إليه من شركات قطاع الأعمال العام والمشروعات الأخرى المملوكة لهيئات حكومية، وهو ما يجعل رأسماله في صورة عينية ويلزمه سيولة نقدية.
قد تكون حصة الشراكة الإماراتية في هذه المنصة تتمثل في التدفقات النقدية، حتى يتم توظيف أصول صندوق مصر السيادي بشكل أفضل. والصندوق حسب قانونه الخاص له الحق في التصرف في الأصول التي تؤول إليه بالبيع أو الإيجار أو الشراكة في الإدارة، أو جلب إدارة من القطاع الخاص، ولا تتوقف شراكته على القطاع الخاص المصري، بل تتعدى للشراكة الأجنبية.
ويحظى صندوق مصر السيادي بمساحة حرية كبيرة في عدم التقييد بالقوانين المصرية، مما سيفتح المجال لقبول شراكة الإماراتيين، أو ضم شراء آخرين في المشروعات التي ستشملها المنصة الاستثمارية المرتقبة.
تدفق مالي طبيعي
إذا ما افترضنا أن رأسمال المنصة الاستثمارية سيكون مناصفة بين الجانبين المصري والإماراتي، فإن حصة الإمارات، متوقع أن يتم دفعها مرة واحدة، بل ستكون في أفضل الاحتمالات في المدى المتوسط، أي على مدار 5 سنوات، وهو وضع طبيعي إذا ما كانت مشروعات المنصة الاستثمارية جديدة، وليست مشروعات قائمة، أو توسعة لمشروعات قائمة.
وفي هذه الحالة ستكون إضافة المنصة لتدفقات الاستثمار الأجنبي لمصر، في إطار التدفقات الطبيعية، ولا تمثل طفرة، فوجود زيادة بنحو 1.5 مليار دولار أو 2 مليار دولار سنويًا ليس بالرقم الذي يمكنه إحداث تغير جوهري في اقتصاد مصر.
وإن كان تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمصر قد تراجع على مدار العامين الماضيين، ليصل إلى 5.9 مليار دولار، بعد أن كان 7.9 مليار دولار، وبلا شك أن التدفق المالي من قبل الإمارات، سيكون دعمًا للاستثمارات الأجنبية، إذا ما ظلت عند أدائها في عام 2018/2019 بمعدلاتها المنخفضة.
إلا أن فرصة المنصة الاستثمارية تفتح الباب لصانع مشروع التنمية في مصر لأن يرتب أجندته للمشروعات التي يمكن من خلالها تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد القومي، وتعمل على تخفيف حدة الفقر التي نالت من المجتمع المصري مؤخرًا بشكل كبير، وبخاصة بعد تطبيق أجندة صندوق النقد الدولي، منذ نوفمبر 2016.