تداعيات تراجع الاقتصاد العالمي على دول الخليج: استثمارات أقل وديون أكثر

تعكس تقديرات المنظمات الاقتصادية الدولية رؤية تشاؤمية لأداء الاقتصاد العالمي بنهاية عام 2019. في أبريل 2019م صدر تقرير صندوق النقد الدولي ليتوقع انخفاض أداء نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.3% مقارنة بـ 3.6% في العام 2018م.

وفي مطلع يونيو 2019م صدر تقرير البنك الدولي ليكون أكثر تشاؤمًا حول أداء نمو الاقتصاد العالمي بنهاية 2019، حيث توقع أن يكون نمو الاقتصاد العالمي بحدود 2.6% مقارنة بـ 2.9% في توقعات يناير 2019. ويشترك تقريرا البنك والصندوق في أسباب توقع تراجع النمو العالمي، من الحرب التجارية والقيود على التجارة العالمية، وكذلك تراجع الاستثمار وتزايد حدة أزمة الديون بالدول النامية والصاعدة على السواء.

ويذهب تقرير البنك الدولي إلى أن ورغم تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة والصاعدة، إلا أنه يتوقع أن تحقق دول الخليج تقدمًا إيجابيًا طفيفًا في معدلات النمو الاقتصادي خلال عام 2019 عند 2.1% مقارنة بـ 1.9% في عام 2018.

وإن كانت المنطقة ككل في المتوسط ستحقق تقدمًا طفيفًا في معدل نمو الاقتصادي خلال عام 2019، إلا أن الاقتصاد الأكبر بين دول الخليج، وهو الاقتصاد السعودي يتوقع أن يتراجع معدل نموه  إلى 1.7% مقارنة بـ 2.2% في عام 2018.

معدلات نمو اقتصاديات دول الخليج

الدولة 2018 2019
البحرين 1.8 % 2 %
الكويت 1.2 % 1.6 %
عمان 2.1 % 1.2 %
قطر 1.4 % 3 %
السعودية 2.2 % 1.7 %
الإمارات 1.7 % 2.6 %

المصدر: البنك الدولي، تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية، يونيو 2019، ص 114.

يذهب التقرير في نظرته التفاؤلية للنمو بمنطقة الخليج عبر افتراض زيادة الاستثمارات الرأسمالية في المنطقة، لكن هذا الافتراض يحتاج إلى مزيد من الحذر نظرًا للتحديات الخارجية والداخلية التي تحيط بدول الخليج، فعلى صعيد التحديات الخارجية، قد لا يكون من المقبول أن يشهد اقتصاد المنطقة تحسنًا في ظل تراجع معدل النمو العالمي، والذي يعني في أبسط معانيه تراجع الطلب على النفط، سواء في الدول المتقدمة أو الصاعدة، التي تعتمد على استيراد النفط الخليجي.

أما التحديات الداخلية، فثمة خطط توسعية تلجأ إليها اقتصاديات الخليج -منذ تداعيات أزمة انهيار أسعار النفط في السوق العالمية التي وقعت منتصف عام 2014- وذلك بغرض إنعاش اقتصادياتها، ولكنها مضطرة لتمويل جزء كبير من هذه التوسعات عبر الاقتراض سواء من الداخل أو الخارج، وحسب الأرقام فإن الدين العام لدول الخليج قفز من 117 مليار دولار في 2013 إلى 369 مليار دولار في 2018، ويتوقع أن يشهد الدين العام الخليجي المزيد خلال الفترة القادمة.

ولا يمكن بحال من الأحوال إغفال أثر الصراع البيني الخليجي المترتب على حصار قطر، وما يفرضه ذلك من متطلبات الإنفاق على التسليح، وتمويل أدوات الصراع بين أطراف الأزمة عبر الأدوات الناعمة من أجهزة الإعلام ومراكز الأبحاث. وكذلك تداعيات الصراع المفتوح في اليمن بين التحالف الخليجي من جهة وإيران من جهة أخرى، التي تدعم الحوثيين في اليمن بشكل مباشر.

كما أن تراجع الاستثمارات بجوار تراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي، من شأنه أن يؤثر على عوائد استثمارات دول الخليج، والتي تمتلك صناديق سيادية تقدر أصولها بنحو 2.6 تريليون دولار، فقد تمنى هذه الصناديق بعوائد سلبية، نتيجة الركود المنتظر على الصعيد العالمي أو في أحسن الأحوال تحقيق عوائد إيجابية ضعيفة.

ومن شأن هذه الأجواء العالمية، أن تلجأ الدول الغربية وأمريكا لإنعاش اقتصادياتها عبر الضغط على دول الخليج لضخ مزيد من الاستثمارات في شرايين الاقتصاديات الأوروبية وأمريكا، وهو أمر ملموس على أرض الواقع، حيث تسارع الدول الخليجية للإعلان عن ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في كل من أمريكا والدول الغربية، بل وروسيا في بعض الأحيان، حسبما تقضيه متطلبات الحسابات السياسية المعقدة التي تمر بها المنطقة.

معادلة النفط المعقدة

لا جديد بالنسبة للاقتصاد الخليجي من حيث اعتماده على عوائد النفط بشكل كبير في تمويل النشاط الاقتصادي، حيث تعتمد اقتصاديات الخليج على الإنفاق الحكومي بشكل رئيس، وكانت فرصة الخليج أن يستفيد من العقوبات الاقتصادية الأمريكية على النفط الإيراني، ولكن أمريكا في نفس الوقت تطالب دول الخليج بالحفاظ على المعروض النفطي، وتعويض السوق العالمي عن أي نقص نتيجة منع تصدير النفط الإيراني، وهو ما تعهدت كل من الإمارات والسعودية به.

بقاء أسعار النفط دون سقف 70 دولار للبرميل كحد أقصى يعني استمرار الفجوة التمويلية في اقتصاديات الخليج، وبخاصة للاقتصاد السعودي، فثمة 3 دول فقط من بين دول الخليج يمكنها تحقيق عوائد إيجابية عند سعر النفط أقل من 70 دولار للبرميل، وهي الكويت وقطر والإمارات. ويؤيد سيناريو استمرار الفجوة التمويلية بدول الخليج نتيجة تراجع أسعار النفط، ما ذهب إليه تقدير البنك الدولي في أبريل الماضي، من أن أسعار النفط ستكون بحدود 66 دولار للبرميل في 2019، وسوف تتراجع إلى 65 دولار للبرميل في 2020. أي أن الفجوة التمويلية بدول الخليج يتوقع لها أن تستمر في الأجل القصير، وقد تمتد إلى الأجل المتوسط.

ولن تكون عقبة التمويل قاصرة على الشأن العالمي بانخفاض أسعار النفط فقط، بل إن الخطط الطموحة للاقتصاديات الخليجية، وبخاصة في السعودية والتي تعول على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشروعات كبيرة مثل “نيوم” وغيرها معرضة للإبطاء في معدلات التنفيذ، أو عدم وجود إقبال من قبل المستثمرين الأجانب عليها، بسبب الركود العالمي المنتظر، وكذلك تراجع الاستثمارات العالمية المباشرة.

النافذة التي ستغري المستثمرين الأجانب في منطقة الخليج خلال الفترة المقبلة،  هي سندات الدين العام، حيث إنها بلا مخاطرة، ويوجد ضمانات عالية لها من خلال احتياطيات ومخرونات النفط، وفي نفس الوقت تشكل احتياج قوي لحكومات دول الخليج.

استشراف المستقبل

الحديث عن التنوع الاقتصادي، أو توطين الوظائف، أو تخفيض معدلات البطالة بدول الخليج، سيظل مشروعات مؤجلة في ظل استمرار أزمة تراجع نمو الاقتصاد العالمي، نظرًا لعلاقة التبعية لاقتصاديات دول الخليج باقتصاديات الدول المتقدمة والصاعدة.

 وعلى ما يبدو أن سيناريو التسعينيات يطل برأسه مرة أخرى، لتعيش دول الخليج عجز الموازنات وارتفاع الدين العام، ولا ينفك هذا الأمر، إلا من خلال انتعاش الاقتصاد العالمي، وزيادة الطلب على النفط وارتفاع أسعاره، كما حدث في الفترة 2003 – 2013، حيث تخلصت الدول الخليجية من ديونها، وبدأت في تراكم ثرواتها من خلال احتياطيات النقد الأجنبي، وأرصدة الصناديق السيادية. إلا أن الملفت للنظر في التجربة الخليجية أن مواطنيها ليس لهم دور في اتخاذ القرار فيما يتعلق بهذه الأزمات، سواء لحلها، أو لمراقبة حكوماتهم.

 وإن كانت الأجواء الحالية تختلف عن أزمة التسعينيات حيث كانت الحكومات الخليجية تتكفل بتوفير كافة صور الدعم للمواطنين، وكانت الأزمة تخص الحكومات وأوضاعها المالية، بينما هذه المرة لدى حكومات الخليج أجندة اقتصادية واجتماعية مختلفة، بدأت بالإجراءات التقشفية، وسوف تتجه مع الأزمة لمزيد من تخفيض الدعم ورفع أسعار العديد من السلع والخدمات، ودفع المواطن للتخلي عن الاعتماد على الحكومات.

منشورات أخرى للكاتب