العلاقات الاقتصادية الإماراتية التركية: السياسة تتكلم..

لم يكن خبر القبض من قبل السلطات التركية على شخصين ينتميان لدولة عربية بتهمة التجسس لصالح الإمارات، المؤشر الأول أو الأوحد على توتر العلاقات بين البلدين. سبقت ذلك شواهد عدة، منها الملاسنة التي تمت بين الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، ووزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، وكذلك الموقف التركي إلى جانب قطر في أزمة الحصار الذي تفرضه دول خليجية من بينها الإمارات.

تختلفُ الدولتان من حيث التوجه السياسي على المستوى الإقليمي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، تنحاز تركيا لمناصرة دول الربيع العربي، بينما تقف الإمارات بقوة خلف الثورات المضادة ومحاربة الربيع العربي بكافة الوسائل، بما فيها الدخول في الصراعات المسلحة، كما هو الحال في اليمن وليبيا.

ويأخذ طابع الصراع بين الإمارات وتركيا صور عدة، من أبرزها الحرب الناعمة عبر وسائل الإعلام، فالملاحظ أن وسائل الإعلام المحسوبة على الخليج بوجه عام والإمارات بوجه خاص، تنقل الأخبار المتعلقة بالاقتصاد التركي، وكأنه على شفى حفرة من الانهيار، وقد ساعد هذه الأدوات الإعلامية المحسوبة على الإمارات، تراجع بعض المؤشرات الاقتصادية بتركيا بجوار تراجع العملة، مثل ارتفاع معدل التضخم، وزيادة معدلات البطالة.

 وكذلك كان لافتًا للنظر أداء هذه الأدوات الإعلامية عقب انتخابات البلديات التي شهدتها تركيا نهاية مارس 2019، حيث صورت وسائل الإعلام المحسوبة على الإمارات الوضع على أنها هزيمة ساحقة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، على الرغم من استحواذه على 53% من إجمالي مقاعد البلديات.

كان متوقعًا أن تؤثر هذه التركيبة الجديدة على خريطة العلاقات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتوتر العلاقات السياسية بين الإمارات وتركيا، على طبيعة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ولكن مفارقات الإمارات لا تتوقف، حيث بقية علاقات الإمارات الاقتصادية مع تركيا في حالة إيجابية، لا تتناسب مع سخونة أحداث الخلاف السياسي بينهما.

ومفارقات الإمارات التي تجمع ما بين الخلاف السياسي عالي الدرجة، والحميمية التجارية والاقتصادية، لها شاهد واضح من قبل، من خلال علاقاتها الاقتصادية القوية مع إيران على مدار عقود، على الرغم من احتلال إيران لبعض الجزر الإماراتية، واختلف التوجه السياسي للبلدين على الصعيد الإقليمي والدولي، فالأرقام تشير إلى قيمة تبادل تجاري سنوي بين الإمارات وإيران بنحو 16 مليار دولار. 

مفارقة العلاقات الاقتصادية

يُعد عام 2014 عامًا فارقًا في العلاقات بين الإمارات وتركيا على الصعيد السياسي، إلا أن الملاحظ بالنسبة للعلاقات التجارية فظلت في معدلها الطبيعي من تذبذب طفيف صعودًا وهبوطًا خلال الفترة 2014 – 2018، وإن كان عام 2017 شهد طفرة في قيمة التبادل التجاري بين البلدين، حيث وصل إلى 14.6 مليار دولار.

واللافت للنظر هنا أن المفارقة ليست في الطفرة المتحققة في حجم التبادل التجاري خلال عام 2017، ولكن أن هذه الطفرة تأتي بعد عام 2016 الذي شهد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا، والذي وجهت بعده حكومة تركيا أصابع الاتهام بمساندة من قاموا بالمحاولة الانقلاب الفاشلة، إلى بعض الدول الأوروبية والعربية على وجه التحديد، وإن لم تسمى دولة بعينها.

 وقد يكون عام 2018 قد شهد تراجعًا بمعدل ملحوظ عما كان عليه التبادل التجاري بين البلدين في عام 2017، إلا أنه يتماشى مع معدلات عامي 2014 و2015. وفيما يلي نعرض لقيمة الصادرات والواردات بين البلدين.

العلاقات التجارية بين الإمارات وتركيا

خلال الفترة 2014 – 2018

القيمة بالمليار دولار

العام الصادرات الواردات إجمالي التبادل التجاري
2014 4.65 3.25 7.9
2015 4.68 2 6.6
2016 5.40 3.7 9.1
2017 9.18 5.5 14.6
2018 3.13 3.7 6.8

المصدر: الجدول من إعداد الكاتب، من خلال بيانات معهد الإحصاء التركي.

وحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، فإن الإمارات تأتي ضمن أكبر 20 دولة على مؤشر الصادرات والواردات السلعية لتركيا، فقد احتلت المرتبة رقم 14 من حيث الدول المستقبلة للصادرات التركية، ولا تشارك الإمارات في قائمة أكبر 20 دولة مستقبلة للصادرات السلعية التركية على الصعيد العربي سوى العراق ومصر.

أما على صعيد الواردات التركية من الإمارات، فقد احتلت الإمارات المرتبة 13 من بين أكبر 20 دولة على قائمة الواردات التركية، وتُعد الإمارات الدولة العربية الوحيدة التي تضمها قائمة أكبر 20 دولة تستورد منها تركيا.

تزايد استثمارات الإمارات بتركيا

يُعد مؤشر توجه الاستثمارات الأجنبية الماشرة، أحد الأدوات التي يتم توظيفها سياسيًا بشكل كبير، وبخاصة في حالة دولة الإمارات العربية التي تعد نموذجًا لرأسمالية الدولة، حيث تسيطر الدولة هناك على ملكية نسبة كبيرة من شركات القطاع الخاص.

وحسب بيانات البنك المركزي التركي، لوحظ أن الاستثمارات الإماراتية المباشرة في تركيا خلال الفترة 2014 – 2017 في تزايد مستمر، فبعد أن كانت تدفقات هذه الاستثمارات بحدود 140 مليون دولار فقط في عام 2014، وصلت إلى 859 مليون دولار  في عام 2018. أي أنها زادت بنحو 719 مليون دولار، وبما يمثل أكثر من 5 اضعاف ما كانت عليه في عام 2014.

وثمة تفسيرات لزيادة الاستثمارات الإماراتية في تركيا خلال عام 2017، للاستفادة من انخفاض قيمة العملة التركية، وتركيزها في قطاع العقارات، وإن كان حدة مشكلة تراجع العملة التركية حدثت بشكل كبير في عام 2018.

كما قد يكون الدافع لزيادة الاستثمارات الإماراتية بتركيا، ما تحقق من تحسن في أسعار النفط في السوق الدولية، وحسن بشكل عام الوضع المالي للإمارات، ومن الطبيعي أن تزاد استثماراتها الخارجية بشكل عام.

مستقبل العلاقة الاقتصادية بين البلدين

كما يقال “السياسة لا تعرف الخصام الدائم، ولا الصلح الدائم”، يحكم هذه العلاقة بشكل كبير المصلحة المتحققة على الخصام أو الوئام. والاقتصاد بلا شك أحد الأدوات المهمة في ترسيخ وإدارة العلاقات بين الدول.

وبالنسبة لتركيا فهي تحرص على استمرار علاقاتها الاقتصادية على الصعيد الخارجي وبخاصة أنها تعتمد على الصادرات بشكل كبير، ويتوقع أن تحرص تركيا على عدم خسارة السوق الإماراتية على الصعيد التجاري، وبخاصة أن نتيجة التبادل التجاري في صالحها على مدار الفترة التي أشرنا إليها، وقد لا تختلف نتيجة التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة القادمة، نظرًا لطبيعة الهيكل الإنتاجي لصالح تركيا. ومن جانب آخر فإن الاستراتيجية التركية تعتمد على التوجه شرقًا، لتخفيف حدة مشكلة تركز معاملاتها الاقتصادية مع أوروبا.

ويأتي حرص تركيا مدفوعًا كذلك بالأوضاع الاقتصادية التي تمر بها، حيث تشير توقعات عام 2019 إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي بها، كما أن تزايد الاستثمارات الإماراتية المباشرة في تركيان تفتح الباب لمزيد من الحرص التركي على تلك العلاقة.

أما الإمارات، فلها أهداف تحرص على تحقيقها من خلال تواجدها في السوق التركي كمستثمر، أو استمرار التبادل التجاري بين البلدين، نظرًا لحضور تركيا في العديد من الملفات الساخنة بالمنطقة، والتي تشكل محور اهتمام للإمارات، على رأس هذه الملفات، ملف أزمة حصار قطر، والملف السوري، وكذلك رغبة بعض الدول الخليجية، ومنها الإمارات في أن تحدث مصالحة بين تركيا ومصر، بعد أن تدهورت علاقتهما السياسية بعد الانقلاب العسكري بمصر عام 2013.

منشورات أخرى للكاتب