تضمين الثقافة الجنسية في التعليم: أي مسار؟

أثارت عبارة حول علامات البلوغ ضمن كتاب التربية الإسلامية الدراسي في دولة قطر جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي. تضمنت العبارة أن “الاحتلام أمر طبيعي، يحدث للولد إذا كبر ويكون أثناء نومه، فيرى وكأنه يفعل فعل الأزواج ثم ينزل منه المني ويشعر باللذة”، وهو ما أثار حالة من النقاش والجدل.

ليس الهدف من هذا المقال تسليط الضوء على هذه الحادثة رغم أهميتها، بل تناول موضوعة محتويات المناهج والمقررات الدراسية، والإشارة إلى أهمية تضمنيها معلومات ومعارف تهدف لتوعية الأجيال الناشئة بالجوانب المهمة في حياتهم واختيار الأسلوب الأمثل لعرضها. ومنها علي سبيل المثال: الجوانب التي تعزز التربية الدينية، والأخلاقية، والتربية الاجتماعية، والتفكير الإبداعي، وحل المشكلات وغير ذلك من جوانب مهمة في بناء الأجيال، بما فيها التوعية بالجوانب الجنسية، على أن يكون كل ذلك في سياق غايات التربية وأهدافها.

وبالنظر إلى غايات التربية وأهدافها على وجه العموم، نجد أن غالبية الدول تسعى إلى تحقيق هدف بعيد المدى هو تخريج أجيال صالحة تؤدي إلى خلق مجتمعات صالحة، ولا يكون ذلك إلا من خلال أهداف عامة وخاصة تركز في الغالب على بناء المعارف والمهارات وتطويرها، وبناء القيم والاتجاهات الايجابية وخاصة الوطنية والأخلاقية، فهل يتعارض ذلك مع وجود التوعية بالجوانب الجنسية ضمن المقررات الدراسية؟

من الناحية التربوية يكاد يتفق الجميع على ضرورة تضمين المناهج الدراسية توعية بالجوانب الجنسية والتغيرات الفسيولوجية لدى المراهق، ويبقى الاختلاف في طريقة عرضها والذي ينبغي ألا يخرج عن سياق قيم المجتمع وثقافته، فبخصوص العبارة نفسها يقول بعض القطريين “إن هذه الدروس موجودة في مناهج التعليم السابقة دون استخدام مثل هذه العبارات، ولكن كان يتم تدريس تلك المواد بشيء من الحذر وأخذ الحيطة في استخدام مثل هذه العبارات أثناء شرح المعلم لتلك المواد”، ما يعني أن أوجه الاعتراض لم تكن على تعليم هذه الجوانب، بل طريقة عرضها.

من هنا تأتي أهمية الحديث عن إعداد المناهج أو المقررات الدراسية وتقويمها لتجنب خروجها عن سياق غايات التربية وأهدافها. تشمل المناهج الدراسية والتعليمية – دون الخوض في التعريفات الإصطلاحية – المواد الدراسية أو المقررات أو المعلومات والحقائق والمفاهيم التي تعتمدها المدرسة لإكسابها للتلاميذ، وبصورة أخرى يشير المفهوم الواسع للمنهج إلى أن المنهج هو مجموع الخبرات التربوية التي تهيؤها المدرسة للتلاميذ بقصد مساعدتهم على النمو الشامل، أي النمو في جميع الجوانب (العقلية والثقافية والاجتماعية والجسمية والنفسية والفنية) نمواً يؤدي إلى تعديل سلوكهم ويعمل على تحقيق الغايات والأهداف التربوية المنشودة. ولتحقيق ذلك لابد أن يحتوي المقرر أو المنهج الدراسي على: أهداف، ومحتوى، وأنشطة تعليمية، ووسائل تعليمية، فضلاً عن أساليب التقويم.

وعند إعداد أي مقرر دراسي، فإنه ينبغي أن يمر بمراحل استراتيجية دقيقة قبل أن يخرج حيز التطبيق، وتختلف هذه المراحل باختلاف الاستراتيجيات والأسس المعتمدة في بناء المناهج وإعدادها، لكنها في الغالب تؤكد على أمور محددة مثل: الدراسة والتحليل، والتصميم التعليمي، وإنتاج كل ما يتطلبه المقرر من مكونات، والتطبيق والتطوير، والتقويم؛ ولكل مرحلة من هذا المراحل تفاصيل يطول شرحها، ولكن على سبيل المثال فإن مرحلة التطبيق للمقرر الدراسي وتطويره ينبغي أن تمر بمراحل هي: مرحلة التجريب الأولى، مرحلة التجريب على نطاق واسع، ثم مرحلة التعميم؛ ومع كل مرحلة من هذه المراحل لا بد من تقييم واف لكافة جوانب المقرر الدراسي.

كذلك ما يتعلق باختيار المحتوى، ينبغي أن يكون ذلك وفق معايير. مثل: مدى ارتباط المحتوى بالأهداف، وصدق المحتوى، ومدى مراعاة حاجات التلاميذ واهتماماتهم، ومراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، ومراعاة المحتوى لقابلية التلاميذ وقدراتهم؛ لذا ينبغي أن يخضع محتوى أي مقرر دراسي من تحقق هذه المعايير في عملية الاختيار من عدمه. كذلك، فيما يخص الأنشطة والوسائل التعليمية، ينبغي عند إعدادها أو اختيارها أن تخضع لمعايير دقيقة، ومن بين التساؤلات التي يمكن في ضوئها تقويم الأنشطة والوسائل التعليمية ما يلي:

  • هل أعطت الوسيلة صورة واضحة من الأفكار والعمليات والأحداث التي تعرضها؟
  • هل حققت في النهاية الأغراض التي من أجلها اختيرت واستخدمت ضمن الدرس؟
  • هل محتوى الوسيلة يتناسب مع أعمار المتعلمين ومستوياتهم العقلية؟
  • هل المادة التي تعرضها الوسيلة سليمة من الناحية العلمية؟
  • هل ساعدت الوسيلة في زيادة معنى موضوع الدرس؟
  • هل عملت على زيادة فهم المتعلمين لموضوع الدراسة؟ … وغير ذلك من معايير.

وبصورة أخرى يمكن التساؤل ما أذا حققت الوسيلة أو النشاط الهدف من الدرس في سياق الأهداف العامة وغايات التربية.

وبالإشارة إلى المثال -الذي سبق ذكره أعلاه- حول كتاب التربية الإسلامية الدراسي في دولة قطر وما أثاره من جدل، يمكن القول إنه بافتراض خضوع المقرر للتقييم الدقيق من قبل المتخصصين في المناهج ومن خلال الاستعانة بعينات قادرة على تقييم وتقرير مدى ملائمة المحتوى للفئة المستهدفة وللمجتمع القطري؛ لكان بالإمكان تفادي ذلك الجدل عبر استبدالها بعبارة ملائمة، تحقق الهدف ذاته.

ولو افترضنا أن هذا المقرر أو الكتاب الدراسي مر بالمراحل التنفيذية التي تمت الإشارة لها خاصة تجريبه على مراحل قبل تعميمه، مع مراعاة تقويم كل ما فيه من محتويات وأنشطة في كل مرحلة من هذه المراحل؛ لكان بالإمكان تفادي هذا الجدل بتعديل ما يلزم قبل عملية التعميم.

كذلك، وعند قراءة بعض المعايير سابقة الذكر وتقييم العبارة الواردة في كتاب التربية الإسلامية الدراسي، نجد أن بعض المعلومات التي تضمنها لا تنطبق عليها بعض المعايير، ومنها أن بعض المعلومات الواردة فيها ليست “سليمة” من الناحية العلمية، فعبارة “وكأنه يفعل فعل الأزواج” ليست دقيقة، إذ قد يراود المحتلم أمور أخرى لا علاقة لها بالعلاقة الزوجية، وكذلك عبارة الشعور باللذة، فقد يراود المحتلم حلم ينتهي بما هو عكس ذلك، وبصورة عامة كان بالإمكان الإشارة إلى الاحتلام ضمن علامات البلوغ دون الإشارة إلى تفاصيل قد تكون ليست صحيحة من الناحية العلمية، أو أنها لا “تتناسب مع أعمار المتعلمين ومستوياتهم” إلى جنب معايير أخرى، فيما لو تم تقييم هذه العبارة في ضوئها لخرجت بصورة دقيقة ومقبولة.

ختاماً يمكن القول إن المتابعين للحادثة وخاصة المثقفين والتربويين قد مارسوا عملية تقييم وتقويم من خلال عرض آراءهم فيها بالقول – مما رصدناه – أنها “ألفاظ غير مناسبة لثقافة وطبيعة المجتمع القطري”، مطالبين بالعمل على “تبديل هذه الكلمات بأخرى لا تخدش الحياء العام”، وليس حذفها بالكامل، ما يعني شعورهم بأهمية تثقيف التلاميذ وتعليمهم بعض الجوانب الجنسية والتغيرات الفسيولوجية لدى المراهق، والتي تأتي في سياق غايات التربية وأهدافها بشكل واضح وهام.