البحرين والنفط الصخري: فرحة في مصيدة الديون

ثمة آمال عريضة تعول عليها مملكة البحرين من خلال إعلانها مؤخراً عن اكتشافات جديدة من النفط والغاز الطبيعي، ولكنها عبر جيوب صخرية، وأنها ستدع شركات نفط للنظر في الاستفادة من هذه الاكتشافات المنتظرة، والتي تقدرها المصادر البحرينية بنحو 80 مليار برميل كاحتياطيات نفطية، فضلًا عن احتمال وجود احتياطيات من الغاز الطبيعي بنحو من 10 – 20 تريليون قدم مكعب.

ولكن كل ذلك مرهون بكون هذه الاحتياطيات المنتظرة باقتصاديات استخراجها من الحقول الصخرية، وإذا ما تم الاتفاق بشأنها، فإن استفادة البحرين منها ستكون في غضون 5 سنوات، أي أن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت، وأن عوائد هذه الاحتياطيات لن ترى النور إلى في الأجل المتوسط، في ظل احتمالات التفاؤل.

وثمة سؤال مهم حول مدى جدوى الآمال التي تعقدها البحرين على هذه الاحتياطيات من النفط والغاز، سواء فيما يتعلق بوضعها المالي والاقتصادي، أو إمكانية تحقيق ذلك في ظل أسعار النفط في السوق الدولية التي تشهد عملية اضطراب غير مسبوقة. وفي السطور الآتية نلقي الضوء على مستقبل الآمال البحرينية في مجال النفط والغاز عبر الاحتياطيات التي أعلنت عنها.

واقع النفط والغاز بالبحرين

يأتي الاقتصاد البحريني في مؤخرة قائمة أداء الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، وهو أفقرها كذلك من حيث الامكانيات النفطية، فبيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2017 تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبحرين بحدود 31.8 مليار دولار في عام 2016، وأن نسبة نمو الناتج بلغت 2.8% نهاية 2015.

أما من حيث قيمة احتياطيات النقد الأجنبي فيشير التقرير إلى أنها بحدود 2.4 مليار دولار فقط لا غير، وبما يغطي 2.2 شهر من الواردات، وهو مؤشر يبين ضعف الأداء الاقتصادي البحرين، الذي يعد اقتصادًا نفطيًا بالدرجة الأولى على الرغم من تواضع امكانياته النفطية خليجيًا وعربيًا.

الإنتاج اليومي من النفط بالبحرين يصل إلى 200 ألف برميل يوميًا، وهو ما يمثل نسبة 0.7% من إجمالي الإنتاج العربي البالغ 25.1 مليون برميل يوميًا، أما عن الغاز الطبيعي فيصل إنتاج البحرين مهه 22.3 مليار متر مكعب سنويًا بنهاية 2016، وهو ما يمثل نسبة 3.7% من الإنتاج العربي من الغاز الطبيعي البالغ 595.1 مليار متر مكعب سنويًا. كما تمثل القيمة المضافة للصناعات الاستخراجية للبحرين في 2016 نحو 3.8 مليار دولار، وهي الأقل بين أداء دول الخليج وفق هذا المؤشر.

ولا يختلف ما تملكه البحرين من احتياطيات النفط والغاز كثيرًا عن إنتاجها المتواضع، فالاحتياطيات من النفط تصل إلى 0.12 مليار برميل وهو ما يمثل 0.01% من إجمالي الاحتياطيات العربية من النفط البالغة  710.7 مليار برميل، وتصل احتياطيات البحرين من الغاز الطبيعي 92 مليار متر مكعب، وبما يمثل 0.16% من إجمالي الاحتياطيات العربية من الغاز الطبيعي البالغة 54.3 تريليون متر مكعب.

أثر الاكتشاف على الوضع المالي

تعاني البحرين منذ أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية ماليًا بشكل كبير، وهو ما تعكسه الأرقام الخاصة بالدين العام في البحرين، فتقديرات مؤسسة “ستاندر اند بورز” تشير إلى أن الدين العام بالبحرين بلغ نسبة 81% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2017، بعد أن كان عند نسبة 34% خلال عام 2012، وتتوقع المؤسسة أن ترتفع نسبة الديون البحرينية لناتجها المحلي إلى نسبة 98% في 2020.

ويصاحب ارتفاع نسبة الدين، ارتفاع مخاطر السداد، حيث تذهب توقعات “ستاندر اند بورز” إلى احتمالات التعثر في السداد بالنسبة للبحرين خلال السنوات الخمس القادمة، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة التأمين على الديون البحرينية لتصل عند 258 نقطة بعد أن كانت بحدود 201 نقطة.

وتمثل عوائد النفط قرابة 80% من الإيرادات العامة لمملكة البحرين، وحسب التقديرات فإن عجز الموازنة في 2016 قد بلغ 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يتوقع أن تحقق المملكة عجزًا أقل من هذا المعدل في 2017، نظرًا لاستمرار أزمة أسعار النفط على الرغم من التحسن الطفيف في الأسعار بسوق النفط الدولية، ولا أدل على ذلك من لجوء البحرين مؤخرًا لطرح صكوك في السوق الدولية بنحو مليار دولار.

وبلا شك أن نجاح البحرين في استخراج احتياطياتها من النفط الصخري سوف يحسن من وضعها المالي والاقتصادي، ولكن ذلك سيكون مرهونًا باقتصاديات استخراج النفط الصخري، حيث لازالت تكلفة استخراجه أعلى من الأسعار السائدة في السوق الدولية.

التكلفة والعائد

تظل اقتصاديات استخراج النفط الصخري مرتبطة بالأسعار السائدة في السوق الدولية للنفط، وتذهب بعض التقديرات إلى أنه في ظل التقدم التكنولوجي، أصبحت تكلفة استخراج برميل النفط الصخري بحدود 35 دولار للبرميل، وهي تكلفة اقتصادية في ظل الأسعار السائدة الآن في السوق والتي تتراوح ما بين 65 – 67 دولار للبرميل.

وثمة مستجدات عدة قد تطيل من أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، وعدم تجاوزها لسقف الـ 70 دولار للبرميل، على رأسها الحرب التجارية التي طلت برأسها على الساحة العالمية بين قطبي الاقتصاد العالمي (أمريكا والصين)، حيث يستحوذان على 46% من إجمالي التجارة العالمي، وفي حالة تصاعد هذه الحرب فسوف يتراجع الطلب على النفط بالسوق العالمي، لما ستؤدي إليه هذه الحرب من ركود.

ومن جانب آخر فإن سلوك أمريكا في إنتاج النفط الصخري قد ألقي بظلال سلبية على خطة أوبك وبعض الدول المتعاونة معها من الخارج (روسيا)، بسبب ما يتحقق من فائض بالسوق يساعد على استمرار هبوط الأسعار، فكل ما تحققه أوبك والمتعاونين معها من خفض سقف الإنتاج، تهدمه أمريكا بزيادة إنتاجها، باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم.

وعلى مستوى حالة البحرين، إذا سلمنا بأن سعر 35 دولار لاستخراج النفط الصخري بها، مناسبًا، فإن هناك عامل ضغط آخر، وهو الشركات المنتجة، التي ستستغل الوضع في البحرين، وتحاول الحصول على نسبة عالية نتيجة أعمال الاستكشاف والاستخراج، وهو ما يسمح بالقدر اليسير من عوائد الآبار المعول عليها في البحرين.

والجميع في الدول النفطية الخليجية والعربية، ومن بينها البحرين، يدفع ثمن عدم امتلاك التكنولوجيا لواحدة من أهم السلع الاستراتيجية في السوق الدولية، وفي اقتصاديات هذه الدول، ولكن لا مفر الآن أمام البحرين وغيرها من الدول النفطية العربية من قبول شروط الشركات التي تقبل العمل في الحقول الصخرية.

كما تظل استراتيجية التنوع الاقتصادي حبر على ورق في واقع مملكة البحرين شأنها شأن باقي الدول النفطية الخليجية والعربية، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، وفي ضوء احتمالات التفاؤل بنجاح البحرين باستخراج نفطها الصخري خلال 5 سنوات، فإنها ستكون قد وصلت لوضع مالي مأزوم، تصبح فيه عوائد النفط المنتظرة جزءًا مهمًا في سداد الديون.

وذلك بفرض عدم حدوث متغيرات أخرى، تؤدي إلى هبوط أسعار النفط في السوق الدولية عما هي عليه الآن، وإذا ما حدث هبوط لأسعار النفط، فستخرج أحلام البحرين باستخراج النفط الصخري من مخططها، وستواجه وضعًا ماليًا صعبًا، وعلى البحرين أن تبحث عن البدائل في ظل وقوع سيناريو التشاؤم وهو هبوط أسعار النفط.     

منشورات أخرى للكاتب