حل الأزمة الخليجية: التشاؤم سيد الموقف!

تقترب الأزمة الخليجية من دخول عامها الثاني ولا يلوح في الأفق القريب ما يشير إلى أنها في طريقها إلى الحل أو حتى الحلحلة.  هذا ولا يبدو في الوقت الراهن أن أياً من الأطراف الخليجية المعنية يرزح تحت ضغوط هائلة قد تجبره على التنازل أو العمل من أجل إنهاء الأزمة بسرعة والتوصل الى تسوية قد ترضي جميع الأطراف.

مع ذلك هناك بعض المؤشرات التي ربما تدلل على إن جهود الولايات المتحدة المتجددة للوساطة يمكن أن تتجدد في الأشهر المقبلة، خصوصا بعد إقالة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وتعيين مايك بومبيو، مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)، علاوة على تزايد التصريحات الصادرة عن بعض أركان إدارة ترامب الداعية الى توحيد وتكثيف الجهود لاحتواء ما تسميه تنامياً للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

التغييرات الأخيرة في إدارة ترامب أثارت في المقابل بعض التكهنات بأنها قد تدفع نحو التشدد تجاه الدوحة، وإجبارها على التنازل. مع ذلك فإن قدوم بومبيو قد يوفر أرضية مناسبة لتجدد الوساطة الأمريكية، خصوصا وأن رجل المخابرات السابق ينظر إليه في كلا من الرياض وأبو ظبي على أنه سياسي مخضرم، ولاعب “غير متحيز” في الأزمة، بالإضافة إلى أنه ينتمي إلى المعسكر المعروف بعدائه لإيران.

وبكل تأكيد، حل الأزمة الخليجية بشكل يرضي جميع الأطراف يعد أكثر النتائج تفضيلاً إقليميا ودوليا، لأنه قد يعزز الاستقرار او على الأقل يساهم في تخفيف التوترات الإقليمية في إقليم مشتعل أصلا. ولعل هذا الأمر بالغ الأهمية من الناحية الاقتصادية لدوره في جذب الاستثمارات والشركات الأجنبية إلى الدول الخليجية، والمساهمة في دعم جهود التنويع الاقتصادي التي تنتهجها دول المنطقة. والأهم، فأن دول مجلس التعاون الخليجي، كما أشار مرارا وتكرارا العديد من المسؤولين الأمنيين الأميركيين، تعد المفتاح لاحتواء إيران بشكل فعال ومكافحة الإرهاب.

ومع ذلك، لا يلوح في الأفق ان أي من أطراف الأزمة الخليجية يرزح تحت ضغوط سياسية واقتصادية قوية تجبره على إنهاء الازمة بسرعة، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار تحسن أسعار النفط العالمية والتوقعات الإيجابية لنمو اقتصادات المنطقة في المديين القصير والمتوسط.  

في هذا الجانب، أظهرت قطر مرونة اقتصادية (رغم بعض الخسائر خصوصا في بداية الأزمة) تجاه المقاطعة او الحصار الاقتصادي من الدول الأربع (مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين): حيث تمكنت بفعل احتياطاتها المالية الضخمة، وصادراتها الهيدروكربونية المتدفقة بلا انقطاع، وشبكة الشركاء الدوليين، من الحفاظ على الاستقرار المالي والعملة، والحفاظ على ثقة المستثمرين، وإنشاء طرق توريد واردات بديلة بسرعة، ودعم الاقتصاد المحلي بشكل جلب المديح من العديد المؤسسات الدولية خصوصا صندوق النقد الدولي.

علاوة على ذلك، فإن شراكة الدوحة مع الولايات المتحدة، (التي ترتكز على استضافة قطر الآلاف من القوات الأمريكية في قاعدة العديد الجوية، لم تهتز حتى الان رغم بعض التصريحات الامريكية المشككة)، لا بل أنها تعمقت أكثر من خلال التعاون في يسمى مكافحة الإرهاب وصفقات التسلح الاخيرة. هذه الشراكة الأمنية لا تزال تردع الدول الأربع من اتخاذ تدابير تصعيدية خطيرة. كما نجحت الدوحة في توسيع علاقتها الاستراتيجية مع أنقرة (حيث سارعت إلى نشر القوات التركية على الأراضي القطرية)، مما وفر طبقة جديدة من الحماية من وجهة نظر الدوحة.

في المقابل فإن الدول الأربع (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر)، لا تعاني حتى الآن من تأثيرات اقتصادية كارثية نتيجة الأزمة الخليجية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الروابط التجارية المحدودة بين تلك الدول وقطر، وحقيقة أن الدوحة امتنعت في الغالب عن اتخاذ أي إجراءات انتقامية مباشرة خصوصا ضد الإمارات ومصر. على سبيل المثال، استمر توريد الغاز القطري إلى الإمارات دون انقطاع، كما أن الجالية المصرية التي تعمل في قطر ويقدر عددها بين 250-300 ألف شخص لم تتعرض حتى الان لأي مضايقات أو عمليات تسريح جماعي.

في الوقت ذاته، على الرغم من أن سمعة الدول الأربع قد أصابها بعض الأضرار على المستوى الإقليمي والدولي نتيجة مقاطعة/حصار قطر، فإن تحالفها مع واشنطن (بالإضافة إلى بعض القوى الغربية والشرق أوسطية الأخرى) لا يبدو أنه يتعرض لهزات عميقة. بل العكس من ذلك، حيث تدلل جولة ولي العهد السعودي الأخيرة في الولايات المتحدة، الى أن العلاقات مع واشنطن تتعزز باضطراد، وهو الأمر الذي قد يحد من الضغوط على الرياض والعواصم الاخرى لتخفيف سياساتها تجاه الدوحة.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، رغم أن واشنطن تتمتع بنفوذ كاف داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي يُمكنها من الضغط على أي من الأطراف المعنية من أجل التوصل الى تسوية، مع ذلك فهي مترددة او على الأرجح غير راغبة للقيام بذلك نظراً للفوائد الاستراتيجية والاقتصادية الواسعة التي تجنيها من خلال شراكتها مع كل دولة خليجية على حدة.

وهنا يمكن الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بقواعد عسكرية في قطر، والبحرين، والإمارات، بالإضافة إلى الكويت وعمان وعلاقات عسكرية استراتيجية مع السعودية، ما يسمح لها بدعم الحفاظ على ما تعتبره مصالح حيوية في المنطقة دون تحمل أعباء اقتصادية كبيرة. كما تجني الشركات الأمريكية المليارات من صفقات السلاح الضخمة التي وقعتها دول مجلس التعاون الخليجي كلا على حدة، بالإضافة الى استفادة واشنطن من تدفق الاستثمارات الكبيرة القادمة من السعودية وقطر والإمارات.

صحيح أن الولايات المتحدة أعلنت مرارا أن الأزمة الخليجية تشكل تحدياً لعملياتها في مجال مكافحة الإرهاب أو في سياستها في احتواء إيران، إلا أن واشنطن وحتى هذه اللحظة لم ترم بكامل ثقلها وأوراقها من أجل حل الأزمة، وهو الأمر قد يدلل على أن تلك التحديات ليست ملحة أو خطيرة من وجهة النظر الأمريكية. هذا الوضع قد يدفعنا الى الاستنتاج أن الولايات المتحدة يمكنها التعايش مع إدارة الأزمة دون حلها، وأن إدارة ترمب تفضل على الأرجح الاستفادة من الجميع أو بالأحرى ابتزازهم، بدلاً من ممارسة الضغوط من أجل التوصل الى تسوية ترضي كافة الأطراف.

على هذا النحو، من المرجح ألا يتحقق اختراقا مهما، إلا عندما يتنازل أحد طرفي الأزمة أو إدراك القيادات الخليجية أنها قادرة على إعادة التموضع السياسي بشكل يحفظ “ماء الوجه” محليا ودوليا. طبعا من الناحية النظرية تستطيع إدارة ترمب تسهيل مثل هذه المهمة، إلا أنه من الصعب الجزم إن جميع الأطراف (بما في ذلك الولايات المتحدة) جاهزة لمثل هذه العملية على الأقل في المدى القصير. وهنا يمكن القول إن الأزمة الخليجية قد تطول، لا بل أن وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) تتصدر “معسكر المتشائمين” حيث توقعت في أحدث تقرير لها (ابريل/نيسان 2018) استمرار الأزمة الخليجية حتى عام 2021 وربما أبعد من ذلك.

على جميع الأحوال وبغض النظر عن فرص التوصل الى تسوية ترضي جميع الأطراف، من الواضح أن التصدعات والشروخ التي أصابت البيت الخليجي منذ اندلاع الأزمة في شهر يونيو/حزيران 2017 وحتى الآن كبيرة وعميقة ومن الصعب ترميمها في وقت قصير، كما أن إعادة بناء الثقة بين أطراف الأزمة الخليجية ربما يستغرق وقتا طويلا.