الإنفاق العسكري بالخليج .. الدلالات والنتائج

تطرح الأحداث التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص، العديد من التساؤلات حول جدوى السياسات المتعلقة بالوضعين السياسي والاقتصادي، حيث تغيب الرؤية الجمعية، وتغلب وجهات النظر القُطرية، ومما يزيد من صعوبة الوضع أن غالبية القرارات المتعلقة بالتحالفات والنزاعات تفتقد إلى المشاركة الشعبية، وكذلك عدم وجود دور حقيقي للبرلمانات لإقرار ما يتم تنفيذه على أرض الواقع، أو محاسبة متخذ القرار في إطار سياسي.

ومن بين هذه الملفات الشائكة ملف الإنفاق العسكري بالمنطقة، وبخاصة بعد النزاع الخليجي الذي لم تتضح معالمه بعد، وإن حمل بين طياته تسارع دول الخليج في الإنفاق العسكري، مثل ما تم قبل النزاع الخليجي بأيام من صفقات عسكرية بين الرئيس الأمريكي ترامب والسعودية قدرت بنحو 110 مليارات دولار، أو إنهاء تعاقد قطر بعد أزمة الحصار المفروض عليها لصفقة طائرات بنحو 20 مليار دولار مع أمريكا، أو استقدام قطر للقوات التركية في إطار اتفاق إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر.

والملاحظ خلال الفترة الماضية أن هناك توسعاً من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة في إنشاء قواعد عسكرية خارج أراضيها وبخاصة في بعض البلدان الأفريقية، أو منطقة مضيق باب المندب، وسعيها لدور إقليمي للسيطرة العسكرية من خلال تواجدها باليمن.

وتتناول هذه السطور البعد الاقتصادي لطبيعة الإنفاق العسكري لدول الخليج، من حيث الدلالات والنتائج، مع الأخذ في الاعتبار تراجع العوائد النفطية، منذ عام 2014، والذي يتوقع له أن يستمر حتى نهاية 2020.

تطور الإنفاق العسكري

قيمة الإنفاق العسكري بدول الخليج/ القيمة بالمليون دولار

الدولة/السنة 2003 2010 2014 2015 2016
البحرين 516 1023 1348 1442 1430
الكويت 3131 4335 5698 5503 6561
عمان 2626 4895 10951 10045 9103
قطر 578 1877 —- —- —-
السعودية 18747 45245 80762 87186 62673
الإمارات 5835 17505 22755 —- —-

 المصدر: معهد ستوكهولم للسلام ( https://www.sipri.org/sites/default/files/SIPRI-Milex-data-1949-2016.xlsx )

ثمة مجموعة من الملاحظات يمكن استقراؤها من البيانات المذكورة بالجدول أعلاه، ومنها أن الإنفاق العسكري شهد زيادة كبيرة بشكل مضطرد مع ارتفاع أسعار النفط منذ عام 2003، فمجموع ما أنفقته دول الخليج الست في 2003 يصل إلى 31.4 مليار دولار، وهو يعادل ثلثي ما أنفقته السعودية فقط في عام 2010 بنحو 45.2 مليار دولار.  وأتى الإنفاق على السلاح في إطار تصريف عوائد النفط في الأطر الخارجية، مثل الاستثمارات الخارجية في أمريكا وأوروبا، وتراكم المدخرات الخليجية في بنوك أمريكا وأوروبا.

إلا أن السعودية والإمارات كانتا الأكبر من بين دول الخليج في الإنفاق العسكري، فالسعودية قفزت قيمة إنفاقها العسكري من 18.7 مليار دولار في 2003 إلى 62.6 مليار دولار في 2016، إلا أن عام 2015 كان الأكبر على مدار الفترة من 2003 – 2016 من حيث قيمة الإنفاق العسكري للسعودية، ويرجع ذلك إلى دخول السعودية في الحرب المفتوحة باليمن في مارس 2015، حيث كلفت الطلعات الجوية السعودية مبالغ طائلة، وكانت إستراتيجية السعودية تعتمد على تقويض القوات الحوثية عبر الضربات الجوية، وتستكمل القوات البرية باقي المعركة بسهولة، وهو ما لم يحدث.

أما بالنسبة للإمارات فقد زادت قيمة إنفاقها العسكري في 2014 لأربعة أضعاف ما كانت عليه في عام 2003، ونظراً لتوقف البيانات عن وضع الإمارات بنهاية 2014، فيتوقع أن يكون حجم الإنفاق العسكري في عامي 2015 و2016 قد زاد عما كان عليه الوضع في 2014، نظراً لضلوع الإمارات في حرب اليمن، وتمددها خارجياً في إنشاء أكثر من قاعدة عسكرية خارج أراضيها.

الأمر الثالث مرتبط بزيادة حجم الإنفاق العسكري بدول الخليج بعد ثورات الربيع العربي، فعند مقارنة حجم الإنفاق بين عامي 2010 و2014، نجد أن هناك زيادة واضحة، إذ بلغ الإنفاق العسكري الخليجي في 2014 نحو 121.5 مليار دولار مقارنة بـ 74.8 مليار دولار في 2010، بزيادة قدرها 46.7 مليار دولار، وبنسبة زيادة قدرها 62.4%. وترجع هذه الزيادة للدور الرئيس الذي قامت به كل من السعودية والإمارات في الربيع العربي، ومن جهة أخرى المخاوف لدى هذه الحكومات من وصول رياح التغيير لشعوبها تأثراً بما حدث من إزاحة نظم ديكتاتورية.

الدلالات والنتائج

  • افتقدت دول الخليج وبخاصة السعودية والإمارات لتوظيف الأدوات الناعمة بدول المنطقة، ومن هنا كان إفراطها في استخدام المال في جلب السلاح، كأحد أدوات تأمين من تدعمهم في المنطقة، أو تأمين نفسها. وعلى سبيل المثال، تقدر الاستثمارات البينية الخليجية العربية شديدة الضعف ولا تتعدى رقماً من خانة واحدة، وكذلك المساعدات الإنمائية الخليجية للدول العربية فقدت على مدار السنوات السبع الماضية إحدى أهم مميزاتها كونها مساعدات غير مشروطة، وتحولت إلى مساعدات ذات تكلفة باهظة على الشعوب والدول المتلقية للدعم الخليجي. كما أن هذه المساعدات ترسخ نظماً ديكتاتورية تعمل في بيئات تعج بالفساد مع غياب المشروعات التنموية التي يمكنها أن تنهض بشعوب المنطقة.
  • على الرغم من زيادة الإنفاق العسكري لدول الخليج من عام 2003 وحتى الآن، إلا أنها تعاني تهديدات أمنية وعسكرية منذ 2011، بسبب إدارة الحكومات الخليجية للعديد من الملفات التي تخص المنطقة على أساس القوة الخشنة كما حدث في سورية واليمن وليبيا ومصر.
  • في ظل غياب الشفافية المالية يتوقع أن يكون حجم الإنفاق العسكري لدول الخليج أكثر مما تناولته إحصاءات معهد ستوكهولم للسلام، فثمة صفقات لا يعلن عنها، وعمولات تدفع خارج النطاق الرسمي، وليست دول الخليج وحدها من تمارس هذه الأعمال، ولكنها واضحة في غالبية دول العالم. وما يعاب على الممارسات الخليجية في هذا الشأن، أنها تفتقد الممارسات الرقابية والمحاسبة من قبل مؤسسات الدولة باستثناء دولة الكويت حيث تناقش الموازنة العسكرية لها في جلسات مغلقة وسرية. ومما يستدل به على غياب شفافية الموازنات العامة في دول الخليج، والتي يأتي في سياقها تقدير حجم الإنفاق العسكري، الاستبيان العالمي لشفافية الموازنة والذي ينشر كل عامين، حيث لا يدرج به من دول الخليج سوى السعودية وقطر، وكليهما يأتي في ذيل القائمة، في تصنيف دول لا توفر معلومات عن الموازنة، أو توفر معلومات ضئيلة.
  • على الرغم من توقع استمرار تراجع الإيرادات النفطية حتى عام 2020 على الأقل، فإنه يتوقع أن تشهد دول الخليج المزيد من الإنفاق العسكري، وإن كلفها ذلك التوسع في الاقتراض الخارجي بضمان المخزونات والاحتياطيات النفطية، بسبب التطلعات الإقليمية غير المدروسة من جهة، ومن جهة أخرى التوجه نحو مزيد من الصراعات البينية الخليجية، والتي بدأت بحصار قطر.

 

منشورات أخرى للكاتب