عودة البدلات والمكافآت في السعودية: التخبط

في صدارة مجموعة من الأوامر الملكية في السعودية، تخص تغيرات بمناصب عامة وإحالة بعض المسئولين السابقين للتحقيق، أتى الأمر الملكي بعودة جميع البدلات التي تم إلغاؤها أو تعديلها أو وقفها للعاملين بالسعودية سواء من المدنيين أو العسكريين. الأوامر الخاصة بإلغاء وإيقاف وتعديل البدلات كانت قد صدرت في سبتمبر 2016، بينما التراجع عنها أتى الأحد 23 أبريل 2017.
يمكن قراءة ذلك في أكثر من سيناريو كنوع من التوظيف السياسي للإنفاق العام. السيناريو الأول، هو تمرير التغييرات السياسية دون حالة من الغضب أو الاعتراض. والثاني، وجود حالة من التغطية على حالة الأداء السياسي المتخبط للمملكة في محيطها الإقليمي والدولي، كما هو الحال تجاه السيسي في مصر، أو عدم تحقيق حالة نجاح في الحرب باليمن، يمكن في ضوئها إنهاء الحرب المفتوحة هناك.
وكانت القراءات الاقتصادية إبان صدور قرارات إلغاء البدلات للموظفين العاملين بالحكومة السعودية، تذهب إلى أنها خطوة في إطار رؤية 2030، المعنية بإصلاح الجهاز الحكومي، وإعادة هيكلته، وكذلك اعتبارها إحدى إجراءات الإصلاح المالي بالميزانية العامة للدولة السعودية، والتي أخذت بوصايا صندوق النقد الدولي عبر تقريره المنشور في يونيو 2016، بضرورة إعادة هيكلة العاملين بالجهاز الحكومي وكذلك ترشيد الإنفاق الخاص بالمكافآت والبدلات.
وبلا شك أن الأمر الملكي بإعادة العمل بقواعد البدلات والمكافآت للعاملين بالحكومة، له دلالاته السياسية داخلياً وخارجياً، ولكن ما تهتم به السطور الآتية، هو الدلالات الاقتصادية، وبخاصة أن الرؤية الاقتصادية المستقبلية في الأجلين القصير والمتوسط غير إيجابية، سواء من خلال استقراء الواقع الاقتصادي، أو من خلال توقعات صندوق النقد الدولي، التي ذهبت إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي 1.2% في عام 2016 مقارنة بـ 3.5% في عام 2015. كما توقع صندوق النقد العربي أن يرتفع معدل التضخم بالاقتصاد السعودي إلى 4.1% عام 2017.
ووفق تقديرات مجلس الوزراء السعودي، فإن مخصصات الأجور والرواتب بالميزانية السعودية في عام 2015 قدرت بنحو 322.8 مليار ريال سعودي، وهى تعادل نسبة 33% من إجمالي الإنفاق بالموازنة في نفس العام، كما قدرت البدلات بنحو 79.2 مليار ريال، وبما يعادل نسبة 24.5% من إجمالي مخصصات بند الأجور والرواتب.

المستفيدون من عودة البدلات
حسب بيانات الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن الهيئة العامة للاحصاء بالسعودية، فإن عدد العاملين بالدولة السعودية نهاية عام 2015 يبلغ 1.24 مليون عامل، منهم 1.17 مليون مواطن، ونحو 70 ألف من الأجانب. وبذلكن فإن دخول هؤلاء الأفراد سوف تتحسن بقدر ما يحصلون عليه من بدلات، ونظراً لأن المواطنين يحصلون على مزايا وظيفية وبدلات ومكافآت أفضل، فإنهم أصحاب المزايا الأكبر من قرار عودة البدلات والمكافآت.
وسوف يترتب على عودة البدلات وتحسين دخول موظفي الدولة، زيادة إنفاقهم على السلع والخدمات، وسداد القروض البنكية، مما يؤدي إلى إنعاش الطلب العام، وبخاصة أن السوق السعودي يعاني من ركود خلال الفترة الماضية، نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية.
وإذا ما اعتبرنا نفس نسبة البدلات من إجمالي الرواتب بحدود 25% تقريباً، فإن عودة البدلات والمكافآت تعني زيادة إنفاق 1.24 مليون عامل لإنفاقهم بنحو 25%، وهي نسبة لا بأس بها في ضوء حالة التراجع بالسوق حالياً.
لا ينبغي النظر إلى هذا التحسن على أنه يمكن أن يقود حركة لإنعاش النشاط الاقتصادي، فهو سيكون تحسناً محدوداً في إطار تجارة التجزئة والاستهلاك العائلي، ولن يكون له أثر مثلاً على تحريك قطاع المقاولات والتشييد الذي يعد قطاعاً رائداً بالاقتصاد السعودي، ويشهد تدهوراً كبيراً منذ أزمة انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014.
الآثار السلبية

ثمة آثار أخرى تعد في الجانب السلبي لقرار عودة البدلات والمكافآت للعاملين بالدولة السعودية نذكر منها ما يلي:
أولاً: التراجع عن برامج الإصلاح الخاصة برؤية 2030: بالرجوع إلى برنامج التحول الوطني الخاص 2020، والذي يعد أحد محاور عمل رؤية 2030، نجد أن الهدف الإستراتيجي الثالث الخاص بوزارة المالية ينص على “رفع كفاءة الإنفاق على الرواتب والأجور” ولتحقيق هذا الهدف وضعت مؤشرات للأداء تتحقق في 2020، منها النظر إلى قيمة الرواتب من الميزانية، حيث قدر البرنامج الوطني للتحول الرواتب والأجور السنوية بالميزانية السعودية 480 مليار سعودي، ويُستهدف لها في 2020 أن تكون بحدود 456 مليار ريال سعودي، أي بتراجع قيمته 24 مليار ريال ونسبة تراجع تبلغ 5%.
أما وفق مؤشر أداء آخر يتعلق بخفض مخصصات الرواتب والأجور بالميزانية السعودية، فذهب مؤشر القياس بأن تكون نسبة الأجور والمرتبات من الميزانية 40% بحلول 2020، بدلاً من 45% في الوضع الحالي. ومن هنا نجد أن الأمر الملكي بعودة المكافآت والرواتب التي تم إلغاؤها في سبتمبر 2016، هو مخالفة صريحة لخطط الإصلاح المعلنة في إطار رؤية 2030.
ويجب ألا ينظر إلى الأمر على أنه مجرد مخالفة لبند واحد فيما يتعلق بتفعيل رؤية السعودية 2030، ولكن الأمر يأتي في إطار غياب المؤسسية داخل نظام بعيد في إطاره السياسي عن المعايير الديمقراطية، أو خضوعه للمحاسبة. وبالتالي نتوقع عدم نجاح تفعيل رؤية 2030 في باقي المجالات لهذا الاعتبار.
ثانياً: غياب معايير الإصلاح المالي: لا يخص الإصلاح المالي بنداً دون آخر في الميزانية، فإذا كان بعض المسؤولين السعوديين ينسب تبرير عودة البدلات والمكافآت، إلى ما تحقق من نتائج في الربع الأول من عام 2017، وأن العجز أتى أقل من المقدر، نظراً لارتفاع أسعار النفط وتجاوزها 50 دولاراً للبرميل، فهناك معايير أخرى تتعلق باتساع رقعة الدين العام السعودي، ووصوله لقرابة 100 مليار دولار. كان ينبغي إدارة الوفر المتحقق من إيرادات أو تراجع العجز الفعلي عن المقدر في إطار كلي وليس فقط في مخصصات بنك الأجور والرواتب، أو توظيف هذا التحسن في الإيرادات الحكومية في تمويل مشروعات البنية الأساسية التي توقفت أو تم إلغاؤها في إطار أزمة تراجع إيرادات النفط.
ثالثاً: زيادة مخصصات الأجور بالميزانية لعام 2017: بنيت تقديرات ميزانية 2017 في ضوء ما اتخذ من قرارات في سبتمبر 2016، بوقف وإلغاء وتعديل البدلات والمكافآت، وعودة البدلات والمكافآت سوف يغير من حسابات الميزانية، وبالتالي سيكون هناك تغير في باقي مؤشرات الإنفاق ومقارنتها بالإيرادات وحسابات العجز، الذي ذهبت تقديرات الميزانية إلى تراجعه في عام 2017، ليصل إلى 198 مليار ريال، بعد أن كان 297 مليار ريال في عام 2016، أي أن تقديرات الميزانية تتوقع أن ينخفض عجز الميزانية بين عامي 2016 و2017 بنسبة 33%. ولكن في ضوء عودة البدلات والمكافآت سوف تختلف هذه التقديرات بلا شك.
في الختام، فإن قرار إلغاء البدلات والمكافآت للعاملين بالحكومة السعودية، ثم عودتها، يعكس حالة من التخبط وعدم الاعتماد على تقديرات صحيحة، فهي بلا شك أحدثت حالة من الارتباك لدى القطاع العائلي عند إلغائها وعند عودتها، وإن كانت تحمل أثراً إيجابياً إلا أنها لن تعوضهم بأثر رجعي، فاقتطاع 25% من دخل العامل ليس بالأمر الهين، وبخاصة إذا كان بعيداً عن تصنيفات النخبة وكبار المسؤولين.

منشورات أخرى للكاتب