كيف تواجه مصر التدهور المتوقع في علاقاتها بدول الخليج؟

يبدو هذا السؤال مشروعاً بالنظر إلى تموضع مصر البائس. وهو سؤال لا نستطيع الإجابة عليه دون تشخيص الأسباب التى جعلت هذا السؤال مطروحاً.

لاشك أن الإطار السياسي العام للنظام المصرى فاسد بامتياز، وبشكل يدعو للرثاء. وبالتالي، هو عاجز على مستوى الإرادة أو القدرة عن إدارة أي ملف حيوي، سواء تعلق بقضايا مثل مكافحة الإرهاب، أو المأزق الاقتصادي  والتنموي، أو أزمات المياه، أو حتى الدور الإقليمى لمصر، والذي يقتضي بالضرورة إعادة تعريف السياسة الخارجية، أو تطوير القدرات الدفاعية فى مواجهة تهديدات معروفة فى القلب منها العدو الأزلي والتاريخي (الكيان الصهيوني)، لا يخرج عن ذلك ضرورة المضي فى إصلاح اجتماعي وديني حقيقي.

عجز النظام فى مواجهة كل تلك الملفات، يضاف لذلك خياراته التي ساهمت فى طرد الكفاءات المصرية القادرة على بذل الجهد المطلوب فى كل تلك المساحات، بفعل تكريس القبضة الأمنية فى إدارة وتأميم المجال العام بشكل كامل، وما ارتبط بذلك من تدخل صارخ فى بناء المؤسسات. وبالتالي، شل قدرتها على التفكير أو الفعل، وتغييب أي مستوى من مستويات الرقابة أو المراجعة أو المحاسبة لأى قرار للسلطة، سواء تعلق بالداخل أو الخارج، ولأن أبسط مقومات القيام بالمهام الحيوية يتطلب شروطاً ومقدمات لا يبدو النظام مقتنعاً بتوفيرها أو الوفاء بمتطلباتها.

سنجد مشكلة كتلك التي نناقشها، وهي التعاطي مع الخليج  والسعودية على وجه الخصوص، هل كان لدى النظام إرادة حقيقية تتجاوز الخطاب العاطفى الفارغ حول مصر العائدة لدورها ومكانتها وريادتها القديمة؟ هل مضت السياسات فى اتجاه بناء قدرات وأدوات الدولة التي تمكن من حركة راشدة فى الإقليم؟ هل اشتبكت مع ما يقتضيه توفير شروط إحياء الدور الإقليمى لمصر وما يرتبط بذلك من إعادة تعريف الأهداف الإستراتيجية المصرية للحركة فى الإقليم، أو النهوض بالبنية المؤسسية فى مؤسسات كالدفاع والخارجية والمخابرات. والأهم فى تقديري، إستعادة ميزان القوة الداخلية كدولة، والمتمثل فى وحدة النسيج الإجتماعى وحيوية مؤسسات السياسة وتجاوز المأزق الاقتصادي. النهوض بكل ما سبق يتطلب أن يغير النظام معطيات بنائه واستعادة الحياة السياسية، وما يرتبط بذلك من شروط المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وإعادة هيكلة المؤسسات، وبافتراض أن بعض أطراف النظام تدرك كل تلك الاستحقاقات، إلا أن النظام يبدو غير عازم على المضي فى هذا السبيل الذي يوفر بدائل للدعم الخليجي، الذي يبدو اللجوء له عرضاً لكل العلل السابقة، تبدو البدائل مرتبطة بعلاج الخلل البنيوي للإقتصاد المصرى، والذى يتمثل فى انهيار قدرة الدولة على توفير موارد الوفرة السلعية والخدمية، مقابل اللجوء لمزيد من الاستدانة والإستيراد وتكريس الخلل الاقتصادى الذى تبدو العلاقة المختلة مع الخليج والسعودية على وجه الخصوص عرضا قريبا له، وهو ما لن تحله قرارات إلغاء الدعم أو التعويم ومزيد من الاستدانة (فضلا عن تكلفتها كعدل اجتماعي)، ولكن في إعادة فتح مجال الاستثمار والصناعة والتصنيع.

ولكن هذا بالأخص لا يمكن بحال تحقيقه دون إصلاح مؤسسي كامل، ومكافحة الإرهاب وتقليل مساحة الاحتقان الشعبي، وتكريس سيادة القانون!

إذن ماذا بقي للنظام في التعامل مع مشكلة التهديد الاقتصادي أولاً وخاصة إن لجأ للخيار الخارجي في استجداء الدعم المالي الخليجي?

ولأجل هذا غرّرت به بأن قدم له وعداً وأمنيات حول استبدال المصري بالأمريكي والغربي في حماية الأمن الخليجي، والتداخل العضوي في المنظومة الأمنية بالخليج؟

هل هذه السياسة هي الأنسب لمقتضيات الدور المصري الإقليمي المنشود، والتي تسعى للتكامل ولكن لها استقلالية وافتراقات في كثير من الملفات؟ هل هناك أي قدرة حقيقية دفاعية ودبلوماسية  واقتصادية وبميزان القوة الداخلية للنظام أن ينخرط في دور إقليمي حقيقي؟ للأسف .. لا.

ولهذا، فالنظام حين تم استدعاؤه للقيام بتوفية فواتير الدعم  الخليجي في ملفات مختلفة وجد نفسه في مأزق. وحانت لحظة الحقيقة. هناك ملفات سلّم النظام المصري فيها بالفعل، ملف تيران وصنافير مثلاً، وذلك لاعتقاده بأنه لا يوجد ثمن سيدفعه. وهو ظن خاطئ حول انهيار أي معطى للمقاومة الشعبية، ولم يقدر استقلال شطر مهم من مؤسسة القضاء وانتصابها أمام القرار.

خسر النظام هنا شقاً من أهم ما بنى عليه شرعيته الواقعية (كحامي للدولة الوطنية)، ولكنه أيضا يجد الآن الثمن مرتفعاً لكي يُكمل تمرير المعاهدة. وهذا سيزيد علاقته مع السعودية تأزماً.

فما هو الحل المناسب؟ الحل في إعادة تعريف النظام السياسي وبناء مقوماته الأساسية في السياسة والمؤسسات والدفاع والتوافق الوطني والتنمية.

في مسألة تيران تحديدا، هناك شرخ حقيقي حصل في شرعية النظام، فضلاً عن كل الأزمات السابقة خصوصا الاقتصادية. وهو شرخ أخطر على النظام وعلى الدولة لاعتبارات عدة منها غياب البديل الآمن من أي أزمة مع السعودية. فأزمة مع الأخيرة بالإمكان تسكين بعض عوارضها (كما حصل مثلا في اتفاقيات النفط)، أو حتى في مسبباتها (الحديث حول تكامل اقتصادي على الجزيرتين ومشروع الجسر). الأزمة اليوم في بدايتها وكان من الممكن حلها لو كان لدى النظام قدر معقول من العقل السياسي، والحِرَفية، والاستقامة الوطنية.

مشكلتنا هي في الحفاظ على جزيرة تيران لبقاء تمصير المضيق، وكان نقاش شعبي وخبراتي (تاريخي – و جغرافي – واستراتيجي – وقانوني) عام وموسع داخل مصر ومع السعودية، كان بإمكانه أن يؤسس لحلول أخرى. كالتنازل عن صنافير مثلاً، أو حتى اتفاقية نقل سيادة مشروطة بحالة الصراع العربي الإسرائيلي على تيران! أو بترحيل الأمر لظرف آخر بحيث لا تظهر كأنها عملية بيع وشراء وبعد دراسات بينية متأنية. لكن الآن – بعد حكم القضاء النهائي، والاستنفار السياسي والشعبي العام؛ فات الوقت.