العراق والسعودية: إستقرار أحدهما منجاة للآخر

 

 

العلاقات العراقية السعودية بين التذبذب والتأزيم، والخوض في مستنقعات التشهير والتكفير والاتهام المتبادل. أطراف الإرتباط تموت وهماً على قناعة ألاّ شيء يولد من جديد. ما يحدث من نزاعات على ارتباط بالتوتر الذي بدأ منذ اجتياح الكويت من قبل النظام العراقي السابق وإلى عدم اقتناع السعودية بطبيعة النظام السياسي الجديد بعد العام 2003، وهو ما عاد بذاكرة الطرفين إلى عصور سالفة ونزاعات طائفية.

ما هو منتظر اليوم أكبر من نزاعات سياسية عابرة، وحرائق ترتبط ببعضها إن لم يبحث الطرفان عن وسيلة للتخلص من خطر يهددهما معاً، وإن اختلفا في تفسيره، أو القناعة المشتركة بالتخلص منه مجتمعين.

أغلقت السعودية سفارتها في العراق منذ اجتياح الكويت وقطعت علاقاتها الدبلوماسية حتى قررت تعيين ملحقها العسكري ببيروت ثامر السبهان سفيراً مقيما لها في بغداد في 2 يونيو 2015.

العراق والسعودية أو السعودية والعراق، تقديم وتأخير مقصود عند كلا الطرفين، في صراع يشبه كرة لهب تتدحرج مخلفةً مسارات محروقة وأخاديدَ في الأرض لا تنبت خيراً، وكلما حاول طرف الضغط على الآخر زادت الأزمة من سرعتها وتفرعت لشقوق تبتلع كل المشتركات والمصالح.

إن تحسين العلاقات العراقية السعودية ضمن خطوات سيصب في مصلحة البلدين من الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية، خاصة وهما جاران يرتبط شعباهما بعلاقات إيجابية، وجهود لمحاربة داعش والإرهاب. تذهب وجهة النظر العراقية إلى ألا مصلحة من تبديل النظام الحالي وأن البديل أسوأ، وجيل يمكن أن يتحول إلى إرهابي في أية لحظة، وتشير الوقائع إلى عودة كل من يزور المملكة بذقن طويل وكتب تطرف، ومعظم الانتحاريين في العراق هم من السعودية. سواء علمت الحكومة هناك أو غضت الطرف عن الحدود.

تعاني السعودية من مشكلات سياسية ترتبط جلها بقضايا إقليمية، ويكاد العراق أن يكون محور الأسباب والنتائج في المنطقة الإقليمية، إلاّ أن إجماع شعبه على محاربة الإرهاب، ووجود قناعة لدى معظم قواه الفاعلة بالتخطيط لمرحلة ما بعد داعش بعلاقات داخلية وإقليمية متوازنة ومنها مع السعودية التي تعاني من خسارة رهانها بإسقاط بشار الأسد بمجاميع تسميها المعارضة، والتورط الدموي بالقضية اليمنية لدرجة واستنجادها بالعرب والمسلمين من التهديد الذي تتحدث عنه للأرض السعودية والكعبة المشرفة، وإخفاقها في دعم قوى سياسية عراقية، وتوتر علاقاتها مع مصر، والمشكلة الاقتصادية التي تنذر بكارثة اقتصادية سعودية قبيل العام 2020.

إن ما تعيشه المنطقة من اضطراب تسبب في سيطرة الجماعات الإرهابية على أجزاء من بعض البلدان، يحتم على دول المنطقة وخاصة العربية منها توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب، والابتعاد عن التشنج في علاقاتها أولاً ثم مع المحيط الإقليمي، وعلى الرياض استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد بطريقة حضارية والاستجابة لخطوات عراقية تجاه السعودية، وإعادة فتح سفارتها في بغداد للانفتاح على الواقع العراقي بإيجابية، بعيداً عن تضليل القنوات غير الرسمية التي أدت غالبا إلى تعكير أجواء العلاقات العراقية العربية، كما أن التحدي الإرهابي يمثل أرضية مشتركة يمكن من خلالها استثمار العمل الإيجابي لتشجيع الأطراف العراقية للدفاع عن وحدة وسلامة بلدهم، ولعب دور خليجي شقيق في الحث على المصالحة والتطلع إلى بناء العراق بمساعدة أشقائه العرب.

السياسية الدولية متوجهة نحو حلول كبيرة وفض نزاعات كانت قد أدت إلى انتشار الإرهاب، ولا يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سيقدم لهذه الدول شيئاً دون مقابل، فباعتقاده، تسبب تراجع السياسة الأمريكية من خلال دعمها لدول في زعزعة الأمن، وهو يأمل في أن تكون ثروات هذه الدول رهناً للولايات المتحدة الأمريكية التي ستتولى حمايتها.

ما هو منتظر، أكبر من نزاعات سياسية عابرة، وأكثر من حراك إقليمي، بل حرائق سياسية، واقتصادية واجتماعية، لا تكاد تخمد في مكان حتى تشتعل في مكان آخر. وما الخوض في مستنقعات الطائفية إلاّ قتل لتاريخ مشترك، وبما أن المنطقة تتجه للتسوية، فالمصلحة هي في تسوية الخلافات بين الدول ومنها العراق والسعودية لأهميتها الإقليمية والدولية، وأن تستثمر السعودية نوايا العراق، وتجعل منه جسراً آمناً للعبور إلى الاستقرار في المنطقة؛ وإلاّ فإن الإرهاب إن قطعت منافذه في بلد فإنه حتماً سيعود للعبث ببلد آخر، وبذلك تكون العلاقات السعودية محكومة بمدى تشخيص الطرفين، ولا أحد مستفيد من خلافهما سوى الإرهاب، وعليهم إيجاد حلول قبل أن تفرض عليهم الحلول من الخارج تنفيذاً لمآرب خارجية، قد يعلمون أو لايعلمون بها. على البلدين أن يعلما بأن إستقرار أحدهما سيؤدي إلى استقرار الآخر، والأولوية هي تدشين العلاقات وإشاعة السلام، والنتيجة استقرار وتعاون وتجاوز أزمات سياسية واقتصادية وطائفية.