الممارسات الإرهابية في دول الخليج، كيف يمكن احتواؤها؟

من الواضح للعيان، كلٌ من زاويته وبمنظاره، أن الممارسات الموصوفة بأنها إرهابية أو خارج نطاق القانون والإنسانية في دول الخليج اتخذت ثلاثة أشكال وإن اختلف ممارسوها ومتضرروها.
تتمثل الأولى في ميزان (إرهاب الدولة / اعتناء الدولة) عبر تصديها للمعارضين في صراع تثبيت بيوت الحكم، وضمان استمرارية التصرف بالأرض ومن عليها وما احتوت، بعقلية أنهم المالكون لكلها، ولا يمكن للمالك (بيت الحكم) أن يتنازل عما يملك (الأرض والثروة) إلى مملوك لديه (الشعب).
وخلقت هذه الأنظمة لها من الأجهزة والمؤسسات ما يثير الفرقة بين مكونات شعوبها إضعافاً للوحدة الوطنية بالتفرقة والتمييز بين مكونات المجتمع، فبرزت طائفة من المواطنين – في صفة أفراد ومؤسسات – متسماة بمواليي بيت الحكم، تتعهدهم الحكومات بالإسناد المادي واللوجستي، والتسهيلات التجارية والوظيفة، والإعفاءات الضريبية، والحماية الأمنية والإفلات من العقاب.
تعبث هذه “الطائفة الحكومية” وتفسد العلاقة بين طوائف المجتمع السياسية والاجتماعية والدينية والمذهبية، وبما يصل إلى التفرقة المناطقية في بعض البلاد الخليجية، فباتت الحكومات الخليجية تتلطف لشعوبها طالما لزمت الشعوب منازلها، وعقلت لسانها عن ذكر استبداد حكوماتها. أما في حال استذكرت هذه الشعوب لحقوقها في الحكم الدستوري الديمقراطي وانتخاب حكوماتها وممثليها، وضمان الحقوق الأخرى السياسية والمدنية بما أعلنه “العهد الدولي” للأمم المتحدة التي وقَّعَت ميثاقها جميع هذه الحكومات، حينها يحل البطش محل اللطف، وتظهر العلاقة على حقيقتها.
في هذا المفصل، تستحيل الكثرة الشعبية الُمهابَة والمُطالِبة بالحقوق والتطوير السياسي والحقوقي إلى مجرد إرهابيين يُرهِبُون الدولة التي تكشف عن لثامها الجميل أيام الرخاء التسلطي لتكشف عن عنفها والتنكيل بشعبها.
الممارسة الثانية تتمثل في ردات الفعل الشعبية على البطش الحكومي، حين تتجرد مجموعات جراء ما لاقته من الموت والاعتقال والتعذيب والتمييز للثأر والانتقام. خلق إهمال الدولة لديهم هذا الدافع وهذه الغاية بعد ضياع الأمل في الحاضر والمستقبل، تأتي الحكومات حينها لتصنفهم في مصاف الإرهابيين.
هاتان الممارستان الموصوفتان بالإرهاب المتقابلتان من دول المنطقة تشيران أولاً وأخيراً إلى حالة الانفصال ما بين الحكومات والشعوب بما عكسه بالإنشاء والممارسة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبالأخص في جانبيه العسكري والأمني الذي خدم الأنظمة أساساً ووفر لها الحماية محلياً وخارجياً، وما تيسر بالفيض عن ذلك من الجوانب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والثقافية، الذي نعمت به بعض شعوب المنطقة، لا كلها.
وتصدياً لمطالب شعوب المنطقة الخليجية سنت الدول ما يسمى قوانين حماية المجتمع من الإرهاب التي طوقت حرية الرأي والتعبير، بعيداً عن كشف مخالفات الأنظمة للقوانين أو تطاولها على الحقوق، إذ يفلت من عقوبات هذه القوانين من يفلت.
أما الممارسة الثالثة الموصوفة بالإرهاب فتشير إلى الإرهابيين العبثيين إذ طالت جرائمهم أرواح الناس، سواء في حالات فض التجمعات والتظاهرات السياسية من قبل الحكومات، أو من الانتحاريين مفجري أنفسهم بالأحزمة الناسفة وسط تجمعات شعبية دينية لا لشيء ظاهر سوى اختلاف المذاهب.
وربما لأمر أهم آخر ، وهو أن الضحايا يتمذهبون على مذهب النظام السياسي في إيران الغريم الأبرز لأنظمة دول الخليج. وأنهم في ذات الوقت أساس الحراكات السياسية والمطلبية الأخيرة في دولهم والتي واجهتها الحكومات بأحكام الإعدامات وإلغاء الجنسية وأحكام السجن المطولة.
تدرك الحكومات الخليجية مسؤولياتها – سواء المباشرة أو غير المباشرة – في ولادة وتنامي الأعمال الإرهابية، لكنها لا تعتبر الاعتراف بالذنب فضيلة وتميل إلى تحميل الشعوب مسؤولية اخفاقاتها، وسل سيف قوانين الإرهاب بأدوات الإرهاب ذاته، وبما تفرزه سياسات التجنيس والتمييز ضد طائفة أو فئة من فئات المجتمع لصالح الأخرى والسياسات التعليمية والدينية والنفسية لبث دعوات التكفير والكراهية بين مختلف الأديان والمذاهب.
كيف يمكن احتواء هذه الظواهر والمسببات والممارسات الإرهابية؟
1- يجب أن تعي بيوت الحكم في دول الخليج واقع تطور شعوبها، وأن استئثار العوائل الحاكمة بالقرار السياسي وإدارة الثروة الوطنية دون تفويض شعبي صريح ودون إشراك شعوبها، لم تعد مقبولة إنسانياً، وأنها لا تتوافق والعهد الدولي لحقوق الإنسان، بل وتتسبب في زعزعة السلم والأمن الإقليميين من خلال استثارة التدخلات الخارجية بدعاوى حماية الطائفة أو أنظمة الحكم، وما التدخلات وتطورات الأوضاع في سوريا واليمن وليبيا والعراق إلا خير مثال على تنامي الإرهاب والفساد وبأفظع الممارسات وهو ما قد يطال دول الخليج.
2- مركزية التصالح بين أنظمة دول الخليج وشعوبها، لتتحول أنظمة الحكم إلى ملكيات دستورية ديمقراطية. تتصنف هذه العوائل بمقتضاها بالملكية لا المالكة أو الحاكمة، وتتمثل العلاقة مع شعوبها حسب المبدأ الديمقراطي “الشعب مصدر السلطات جميعاً”، والتوافق على صياغة دساتير عقدية، يختار الشعب فيها سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية ويحاسبها، مقابل أن يسمو الملوك والمشايخ إلى اعتبارهم رموزاً للوحدة والسيادة الوطنية والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
3- الحوكمة الأممية في صياغة مسودات الدساتير لهذه الدول، والإشراف والتوجيه الأممي للطرفين، النظام والشعب، ليتخطيا الإشكالية التشريعية والتنفيذية والقضائية للتطبيقات الدستورية. وذلك تبعاً لسنوات الحكم الطوال التي قامت على فرض هيمنة نظام الحكم العائلي.
4- ترسيخ المبدأ الدستوري “الشعب مصدر السلطات جميعاً” بما يشمل الحق الشعبي من بعد المحاسبة في أن تُسحب الثقة من المسؤول أو السلطة وأن يتم إعفاؤها عند ثبوت التقصير، ويتوجب على السلطات استفتاء الشعوب حول مصيرها.
5- تأسيس البناء التنظيمي للدولة فيما يخص التنشئة التعليمية والاجتماعية والدينية على قاعدة محو الحواضن الفئوية القائمة على كراهية الآخر والتحريض عليه في مناهج التعليم والمنابر الدينية وإبدالها بالحواضن الوطنية الجامعة.